مشهد في || عمق المحيط ||



✍️فهد الرياحي
الحدث : مشهد فيلم تأملي قصير ( في أعماق البحر )
النوع : مقال سينمائي–سرديي يعطي إحساساً بالفيلم، لكنه يبقى مقروءاً – كنص صحفي .
الهدف : الربط بين أعماق المحيط البحري وما نعيشه في محيطنا البشري
الفكرة : مقال سردي بمشهد سينمائي يركز على التأمل والفكرة العميقة، بعيداً عن الحبكة التقليدية.
المشهد : بانوراما المحيط
البداية : لقطة بنورامية علوية واسعة. الكاميرا تحلّق في الأعلى، ترصد مساحة شاسعة من المحيط: زرقة داكنة، غامضة، ساكنة حد الخداع. الغروب ينسكب على سطح البحر، والبرونز يتلألأ بين الأزرق العميق والبرتقالي الخافت.
صورة الشمس توحي بوجود شخص في وسط المحيط. تدعوك هذه الصورة للنظر إلى ما وراء الأفق، إلى ما هو أعمق من مجرد ماء وسماء. صمت وهدوء ووحدة… كل شيء هنا يصبح جزءاً من المحيط الذي يحيط بك، ومن المحيط الذي تعيشه .
تبدأ الكاميرا بالهبوط تدريجياً. كلما اقتربت من السطح، يتبدل اللون، وتزداد الزرقة عمقاً، ويتكسّر الضوء ، كما تتكسّر الأفكار حين نقترب من الحقيقة. تخترق الكاميرا سطح الماء… لحظة فاصلة بين عالمين: من الأعلى هدوءٌ مخادع، ومن الأسفل عمق لا يُرى.
تغوص الكاميرا ببطء في المياه البرونزية. الضوء يتسلل عبر الظلام، وكل شعاع يفتح نافذة على الذات. تتحول حركة الكائنات البحرية إلى أفكار، ومشاعر، وتجارب ومواقف. تتحرك بين الشعاب والكهوف، وتتغير الألوان كما تتغير المشاعر كلما ازداد الغوص عمقاً.
في ذروة المشهد، يصل الغوص إلى أعماق شبه مظلمة، حيث يلتقي الظل بضوء خافت، وتظهر صورة غامضة. لا أمواج، لا حركة واضحة… فقط امتداد صامت يوحي بالوحدة ويخفي ما خلفه. الصوت شبه غائب، لا وجود .
تنتقل الكاميرا ببطء نحو السطح من جديد. الضوء يتسلل، يرسم خطوطاً ذهبية على المياه الداكنة. ترتفع الكاميرا لتلتقط المشهد الأول للمحيط مرة أخرى . بانوراما تأسر العين، وتعيد المتلقي إلى صمت الطبيعة واتساعها.
وفجأة، وسط هذا الامتداد الشاسع، يظهر رجل يسبح غارقاً. سنوات وهو يبحث عن نجاته، لا يابسة قريبة، ولا شاطئ يلوح. كل حركة من جسده تعبها واضح، وكل ضربة سباحة صراع مباشر مع الماء. الموج لا يرحم، البرد قاسٍ، والمحيط لا يعاون.
مع كل ثانية، يزداد الغرق. اليدان تتعبان، الجسد ينهار تدريجياً، ويبدأ الرجل في الغوص ببطء داخل قلب هذا المحيط الغامض. المشهد ثقيل، قاسٍ، لكنه محمل بالرمزية: مواجهة الإنسان لوحدته، صراعه مع نفسه، وإدراكه أن النجاة لا تأتي دائمًا من الخارج. كل غطسة هي مواجهة جديدة مع وحدته، ومع محيط لا يمد يداً. يتحول الغوص في البحر إلى رحلة في أعماق النفس، حيث يصبح المحيط رمزاَ لكل ما يحيط بنا من تحديات، صمت، غموض، ومواجهات لا نخرج منها كما دخلنا.
الخاتمة
أعماق المحيط ليست ماءً فقط، بل انعكاس للوجود. الغرق هنا ليس نهاية، بل اختبار للروح، مواجهة للوحدة والصمت والظلام . في هذا الانعزال يولد الوعي، ويكشف المحيط عن حقيقتة وقدرته . كدعوة للتأمل في المحيط الذي يحيط بنا، حيث ندرك أن النجاة أحياناً لا تُمنح، بل تُكتشف حين نواجه أعماقنا بلا أي دعم.
لا صوت يُرشد، ولا يد تمتد، ولا وعدينعد
و لا يمنح نجاة.
