كتاب واصل

بشرٌ يشبهون… الدواء..!

"هناك لحظاتٌ يفتح الله فيها نافذة نور، فيأتيك بشرٌ يشبهون الرفق حين يمشي، والطمأنينة حين تتجلّى في رحمةٍ لا تُشبه إلا أنها من الله وحده…"

✒️ راضي غربي العنزي – “كاتب سعودي

نحن مدينون لأولئك الذين أرسلهم الله في طرقنا لا ليضيفوا إلى أعمارنا ضجيجاً، بل ليضيفوا إليها نوعاً من الخفة التي تجعل القلب أكثر احتمالاً. مدينون لمن منحونا شعوراً عالي القيمة بأننا لا نَهون، وأن وجودنا على صدر الأيام ليس عبئاً، بل نعمة يباركها الله حين يسوق إلى أرواحنا من يوقظ في داخلها نبضاً لم يفنَ بعد.

هناك بشرٌ يدخلون حياتنا دون مقدمات، لكن حضورهم وحده كافٍ ليعيد ترتيب الداخل؛ يرفعون رأسك دون أن يطلبوا شيئاً، ويلمّون شعث روحك دون أن يُشعروا العالم أنهم فعلوا. هؤلاء هم الأدلة الناعمة على أن رحمة الله لا تزال تعمل في الخفاء، وأن الواحد الأحد يُصلح النفوس بوجوهٍ يعرف كيف يختارها ويرسلها في وقتها الدقيق.

يقول تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”؛ وكأن الآية تعطي درساً واضحاً أن العلاقات تُبنى على كلمة طيبة لا تُكلِّف صاحبها شيئاً، لكنها قد تُحيي في قلبٍ آخر ما ظنّ أنه مات. وفي الحديث الشريف: “تبسّمك في وجه أخيك صدقة”، وكأن الابتسامة بابٌ من أبواب العون، يرفعه الله للعبد حتى قبل أن يرفعه الناس له.

ولأن الله لطيف بعباده، فإنه يُرسل أحياناً في لحظات الضعف بشراً يشبهون الدواء؛ لا يغيّرون العالم، لكنهم يغيّرونك أنت. قد تكون كلمة واحدة، جملة عابرة، أو نظرة ترى فيك ما عجزت أن تراه في نفسك. وهذا بحد ذاته قوة كبرى لا تُمنح إلا لمن شاء الله له أن يكون سبباً لنجاة غيره.

ذات يوم، وفي زحمة الحياة، استوقفتني امرأةٌ مسنّة عند باب متجر وقالت بصوت خفيف: “الله يجعل أيامك طيبة مثل قلبك.” لم أكن أعرفها، ولم تكن تعرفني. لكن العبارة – رغم بساطتها – صنعت داخلي شيئاً يشبه عودة الروح. هكذا تعمل هدايا الله… تأتيك من أبوابٍ صغيرة، لكنها تُصلح فيك أبواباً واسعة.

ويقول سقراط: “القلب الذي يتسع للآخرين يهزم العالم”، وكأن الحكيم اليوناني يلخّص حقيقة الإنسان في جملة واحدة: نحن نرتفع بالرفق، ونقوى بأن نُرى، ونشفى حين يكون في الطريق بشر يُخفّفون لا يُثقلون.

العالم مزدحم بمن يلقون عليك ثِقلاً إضافياً، لكن النادرين هم الذين يرفعون عنك نصف حملك بلا ضجيج. وما أجمل أن يكون المرء واحداً من هؤلاء؛ ممن يجعلون الأرض أخفّ، والصدر أوسع، والأيام أقل خشونة. فالله يرفع من يُعين، ويجبر من يجبر القلوب، ويبارك أثر من يترك في الناس نوراً لا يُطفئه الزمن.

نحن لا نحتاج إلى كثير من الوجوه؛ نحتاج إلى وجه واحد يجعلنا ندرك أن الله لا يتركنا، وأن قلب الإنسان لا يُبنى بالمواقف الكبيرة فقط، بل بالمواقف الصغيرة التي تُبقيه واقفاً. وهؤلاء الذين يأتون بلا ضوضاء، ويذهبون بلا لقاءات طويلة، هم الدليل الواضح على أن الله يُرسل إلى عبده ما يحتاجه حين يحتاجه، ولو عبر كلمة لا تتجاوز سطراً واحداً.

● أبتسم الآن … فأنا أكتب لأجلك ولأضيء قلوباً ! ●

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●
Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى