


✍️ فهد الرياحي
في هذه الدنيا، لا يخلو أحد من ابتلاء . فالشّدائد تتجلّى في صور الخسارة، الألم، الفقد، والمرض والضيق. لكن الله سبحانه وتعالى جعل للصبر منزلة عالية وراحة للنفس، وبيّن أن الصبر سبيل للثبات والقوة. قال تعالى:
{واصبر وما صبرك إلا بالله}
فالاستعانة بالله والصبر سر القوة والثبات في مواجهة الشّدائد، ويوكد الله على أن الصابرين يُوفون جزاءهم العظيم بلا حساب، فقال:
{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
وليعطي الصابرين الأمل والطمأنينة، وعدهم سبحانه بالجزاء الأفضل على أعمالهم الصالحة، فقال:
{وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
واختتم سبحانه التأكيد على أن الصبر لا يكون عبثاً، بل هو معية مستمرة من الله، فقال:
{وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
تُظهر هذه الآيات أن الصبر ليس مجرد احتمال للابتلاء، بل هو أداة للارتقاء الروحي، وتقوية القلب، ووسيلة لنيل رضوان الله والسكينة الداخلية.
الصبر… فضيلة إيمانية “ومنهج حياة”
الصبر هو ثبات القلب وصفاء الروح وقوة الإرادة رغم المشقة. قال رسول الله ﷺ:
«ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه» [متفق عليه]
وقال ﷺ أيضًا : «المؤمِنُ الَّذي يُخالِطُ الناسَ ويصبِرُ على أذاهُم خيرٌ مِن الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ ولا يَصبِرُ على أذاهُم»
وقال الإمام الغزالي رحمه الله: “الصبر نصف الإيمان، ومن صبر نال ما لم يكن يحلم به.”
وقال ابن القيم رحمه الله: “الصبر على البلاء يورث الطمأنينة، ويكشف كرب القلب، ويزيد في محبة الله.”
فضل الصبر وثمارة :
من كمال الإيمان وحسن الإسلام. وسبب للتمكين ورفعة الشأن. وطريق إلى الجنة ودخولها بغير حساب. ومفتاح للفرج وزوال الكرب. وسبب لمحبة الله ومحبة الناس.
الصبر يعلّم الإنسان التحكم في الغضب، وحسن مخالطة الناس، وضبط النفس أمام الابتلاءات والشدائد. وهو ما يميز الإنسان الحكيم؛ إذ يرى الأمور بمنظار مختلف ويُدرك الحكمة خلف كل قدر.
العوض من الله
يأتي عوض الله دائماً ليُنسي الإنسان ما فقده وما مر به، ويملأ قلبه بالسعادة والطمأنينة والرضا. فالمؤمن الذي يصبر على الابتلاءات يفتح الله له أبواب الفرج والخير، ويبدل حزنه فرحاً، ويقوي قلبه بالأمل، ويجعله يقدر نعمه ويعيش في رضوان الله .
الصبر من منظور إنساني وفكري
الصبر ليس فقط فضيلة دينية، بل هو قوة عقلية وروحية تنمي قدرة الإنسان على مواجهة الواقع بتوازن وحكمة. فالعاقل يرى في الشدائد فرصة للتعلم، وفي المحن سبيلاً لنضج الشخصية، وفي الصبر وسيلة للسيطرة على النفس ، بما يجعل قراراته أكثر رشداً وهدوءاً.
يقول بعض المفكرين: “الإنسان الذي يصبر، يحول الألم إلى قوة، ويحول الخسارة إلى درس، ويحول الفوضى إلى نظام داخلي.”
وهكذا يصبح الصبر وسيلة للفهم العميق للحياة، ولإعادة ترتيب الأولويات، ولتقدير ما يملك الإنسان وما هو مقسوم له، بعيداً عن الغضب والجزع.
خاتمة
الصبر هو قوة المؤمن وعزيمته في مواجهة الحياة. به يزداد الإنسان ثباتاً، وينضج قلبه، وتستقيم حياته وسط الابتلاءات. من يصبر يبدل الله حزنه فرحاً، وضيق صدره سعة، ويكتب له جزاءً عظيماً في الدنيا والآخرة.
فلنجعل الصبر نهجاً يومياً، وعنواناً لأفعالنا، وسلاحاً للثبات، ووسيلة لنيل رضا الله. فالمؤمن الصابر يرى الفرج قريباً، ويستشعر معية الله في كل لحظة، ويجد في الابتلاء فرصة للنمو والارتقاء.



