كتاب واصل

أيقنت… فاز الأمل..! I believed… Hope triumphs..!

"حين يهمس القلب باسم الله، ينبثق النور من داخله كما لو أن العالم كله يستمع"

✒  راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

هناك لحظة في حياة كل إنسان، حين يكتشف أن الظلام الذي يراه ليس إلا انعكاسًا لتعب القلب، وأن الشك والخوف والكسل ليست قوى حقيقية، بل أوهام مؤقتة يجب المرور عليها وتركها تمر دون أن توقفنا. هناك يدٌ خفية، يراها القلب قبل العين، تقول: كن، فأنت لست وحيدًا. نسأل الله أن يقوي قلوبنا، أن يجعلنا نرفع رؤوسنا، وأن نعيد ترتيب خطواتنا على الأرض. قال الله سبحانه وتعالى: “وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”. كلمات ليست مجرد آية، بل تعليم لحياة نقية، ودعوة مستمرة لرفع الثقة بالله مهما تعثرت الأقدام.

كنت أعيش محاصرًا بأفكاري، أحيانًا أظن أن العالم يسير ضدّي، وأن كل خطوة خاطئة تزيد الشك في داخلي. في تلك اللحظات، كنت أسمع في صمت قلبي قول ابن القيم: “الظن السيئ مرض القلب ودواؤه معرفة الله”. ومعرفة الله ليست رفاهًا، بل حماية، وأن كل شعور بالعجز يمكن تحويله إلى قوة إذا رفعته لله وطلبت منه الهداية. الغزالي يقول: “اليقين ثمرة المجاهدة”. كل سعي صادق داخلي، مهما كان صغيرًا، يجعل القلب أقوى ويذيب التوتر والشك في الروح.

كل صباح أبدأ بخطوات صغيرة، أرفع يدي إلى الله وأهمس: يا رب، قو قلبي، أعد ترتيب روحي، امنحني وضوح الرؤية لأعرف أين مكاني في هذه الحياة وأين ينتمي فؤادي الضائع. أستعيد كل ما قاله الصالحون والمؤمنون المحسنون: إن الحياة مدرسة، وأن الألم رسالة، وأن الرحمة واللطف الإلهي دائمًا أقوى من أي عجز أو خوف.

في عالم اليوم، تصرخ الحياة بوضوح: شابة فقدت وظيفتها، لكنها بدأت مبادرة على منصة تواصل، تجمع الأطفال لتعليم البرمجة، وتزرع الابتسامات في وجوه من حولها، تضحك رغم التعب، وتدرك أن كل خطوة بحسن الظن بالله تضيف نورًا جديدًا لعالمها. رجل مسنّ كان يشعر بالعجز، لكنه بدأ كتابة نصوص قصيرة عن الحياة والتفاؤل على واتساب ومنصات التواصل، وأصبحت كلماته تزرع الثقة في قلوب الآخرين. هذه اللحظات هي دليل حي على أن الله دائمًا قريب، وأن رحمته أكبر من كل مخاوفنا، وأن ما نبحث عنه في الخارج كان ينتظرنا في الداخل.

الإنسان بطبيعته يميل أحيانًا إلى التردد والخمول والكسل والخوف، لكن حين يسمع قلبه الصوت الصادق: اللهم أنت معي ولن تتركني، يكتشف أن كل شيء آخر مجرد ضجيج، وأنه قادر على النهوض مهما سقط. ابن تيمية يقول: “حسن الظن بالله أساس التوكّل”. هذا الأساس يبني حياتنا خطوة خطوة، يربط بين كل ضعف وكل ألم وكل إحباط باليقين، وأن ما يفعله الله معنا دائمًا هو الخير، حتى إذا بدا مختلفًا عن توقعاتنا.

الثقة بالله لا تبدأ بصمت، بل بالقرار الجنوني الذي يتخذه القلب: أن يؤمن أن كل شيء ممكن، أن يجرؤ على الفرح وسط الصعاب، أن يضحك رغم الألم، أن يبدأ مشروعًا أو فكرة صاخبة على منصة اجتماعية، ويصرخ: “سأعيش ولن أضيع!” هذه ثقة تتشكل من كل لحظة يرفع فيها الإنسان قلبه لله ويطلب العون، من كل ابتسامة يرسلها للآخرين، من كل موقف صعب يتحول فيه الفشل إلى درس، ومن كل خطوة صغيرة نحو الحياة.

وفي كل هذا، تظل الروح المؤمنة تعلم أن الحياة ليست جدية دائمًا، أحيانًا نضحك على أنفسنا، أحيانًا نسخر من ضعفنا، لكننا لا نترك الشك يسيطر على الداخل. كل ألم نعيشه يُحوّل إلى نور حين نقول: يا رب، اجعل ظني بك خيرًا، اجعل قلبي مطمئنًا، وامنحني القوة لأقف من جديد.

القصص التي تصرخ بالحياة ليست بعيدة عن كل واحد منا، هي صرخة داخلية لكل إنسان: أن يتحرر من قيود القلق، أن يرى الخير في تفاصيل العالم، أن يختار السعادة رغم الظروف، أن يكون رمزًا للسلام، بداية من داخله، وأن يترك أثره في محيطه، لا لأن العالم يحتاجه، بل لأن قلبه يحتاج أن يعيش.

وفي نهاية اليوم، حين يلتفت الإنسان إلى ما صنعه الله في داخله، يرى نفسه شجرة صلبة، متجذرة، تتحدى الرياح، تتفوق على الغابة من حولها، لأنها ربطت جذورها بالخالق، واستمدت من رحمته ونوره وحكمته. هنا تصبح الحياة ملحمية، فلسفية، اجتماعية، واقعية، تفاؤلية، ممتلئة بالحب والإيمان، بالضحك والسخرية اللطيفة من ضعف النفس، وبوعي أن كل لحظة نعيشها بصدق وحسن ظن بالله هي لحظة انتصار.

حسن الظن بالله هو الفجر الذي لا يغيب، والضوء الذي لا ينطفئ، والطمأنينة التي تزرع السلام داخل كل قلب، لتجعلنا نختار الحياة كل يوم من جديد. اللهم اجعل ظني بك حسنًا، وتوكلي عليك صادقًا، وقلبي معك دائمًا مطمئنًا.

●الآن ..يارب الآن كل خوف ذاب! ؛

“وفي اللحظة التي توقفت فيها عن البحث عن أسباب الألم في الخارج، شعرت بأن النور بدأ يخرج من داخلي. كل شك اختفى، وكل خوف ذاب، وكل ضعف تحول إلى قوة. هنا، فقط هنا، فهمت أن حسن ظني بالله ليس فكرة بل حياة، وأن كل ما احتجته كان موجودًا بداخلي منذ البداية، مفعمًا بالرحمة، مضمّدًا للأوجاع، موجّهًا خطواتي، مضيئًا لي الطريق.”

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى