” حين تخطئ العين وتُصيب البصيرة “
"بين النظرة الأولى والبصيرة … تختبئ الحقيقة التي لا تقولها المظاهر "



🖋 فهد الرياحي
ذهب رجل كبير في السن إلى مناسبة اجتماعية، وما إن وقف على عتبة الباب حتى قلب عصاه وأمسكها من أسفلها.
لم تمرّ هذه اللحظة مرور الكرام . إذ التفت بعض الحضور إلى بعضهم وهم يتهامسون بنبرة خفيفة تحمل شيئاً من السخرية .
“وصل العمر به لدرجة أنه لم يعد يميز رأس العصا من نهايتها.”
الشايب لم يغضب ، ولم يحاول الدفاع عن نفسه، بل اكتفى بابتسامة هادئة تشبه أولئك الذين عرفوا الحياة بما يكفي ليوقنوا أن الوقار أقوى من الصوت، وقال بهدوء :
“قلبتها حتى لا يتسخ بساطكم من تراب الطريق …
فلا تستعجلوا الحكم على الناس؛ فالظاهر لا يكشف الحقيقة “
ساد الصمت فجأة، وتحولت النظرات من استهزاء إلى دهشة، ثم إلى احترام صامت… لكن صامت يحمل الكثير .
ما اعتقدوه ارتباكاً… كان احتراماً.
ما ظنّوه ضعفاً… كان رقياً.
ما رأوه خطأ… كان حكمة.
يكشف هذا الموقف عادة متأصلة فينا : نحكم سريعاً، ونفهم متأخرين. نقرأ الناس من نصف لقطة، ونبني قناعات من لفتة عابرة، كأننا نملك مفاتيح النوايا بمجرد نظرة.
الحكم العاجل يشبه النظر من نافذة مغبشة . الصورة موجودة، لكن ملامحها مشوشة وظلالها مضطربة، ومعناها ناقص مهما دققنا النظر .
أما البصيرة، فهي الضوء الذي يكشف ما غاب، ويُتمّ المشهد، ويضع كل فعل في سياقه.
” الحكمة لا تصرخ “والنية الطيبة لا تتباهى، والرقي لا يرفع لافتات.
وما يبدو عادياً في الظاهر قد يكون أعظم درس في العمق .
هذه القصة — رغم بساطتها — تذكرنا بأن المظاهر خدّاعة، وأن أعظم الحقائق تُفهم بالقلب لا بالعين.
وأن أناساً نمرّ بهم مرورًا سريعًا… يحملون في بساطتهم دروساً تبقى طويلاً بعد انطفاء اللحظة.
💬 “ومضة” :
“الإنسان الذي يُساء فهمه في ثوانٍ… قد يحمل داخله من النُبل ما لا يشرحه الكلام.
💡دروس لا تُرى إلا بعين البصيرة .
قد يحمل في داخله بصيرة تفوق كل الظنون… وأن أصغر الأفعال قد تنطق بأكبر الدروس.”
وفي النهاية…
هناك أفعال صغيرة تُصيب المعنى أكثر مما يفعله الكلام
وهناك بشر يبدون عاديين … لكنهم يصبحون مرآة نرى فيها أخطاء أحكامنا قبل أن نرى أخطاءهم .


