التحول التعليمي .. نحو منظومة تعليمية عالمية

بقلم : د. محمد بن مرضي
تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا تعليميًا شاملاً يتسق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، الهادفة إلى بناء اقتصاد معرفي وتنمية بشرية مستدامة ، ويأتي هذا التحول مدفوعًا برغبة طموحة في إعادة هيكلة النظام التعليمي بما يتماشى مع المتطلبات العالمية في الجوانب التنظيمية والعلمية والتعليمية ، من خلال تبني الذكاء الاصطناعي ، وتقنيات التعليم الحديثة ، والانفتاح على التجارب الدولية الرائدة ، مع الحفاظ على الهوية الوطنية والقيم الأصيلة.
فوضعت رؤيتنا الطموحة التعليم والتدريب في قلب خطط التنمية ، باعتباره محركًا رئيسيًا لإعداد أجيال قادرة على المنافسة عالميًا ، من خلال تحسين ترتيب المملكة في المؤشرات التعليمية الدولية ، وتطوير المناهج وأساليب التدريس ، ورفع نسبة المهارات المستقبلية بين الطلبة ، وتعزيز العلاقة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
كما أطلقت المنظومة التعليمية استراتيجية التحول الوطني للتعليم، والتي من أبرز مستهدفاتها : تطوير المناهج ، وتعزيز المهارات الرقمية ، والتحول نحو التعليم القائم على الكفاءة.
ويُعد الذكاء الاصطناعي في مشروع التحول حجر الزاوية في مستقبل التعليم ، ومن التطبيقات التي سيكون لها الريادة مستقبلاً في التعليم السعودي ، من حيث أنظمة التعلّم التكيفي التي تُفصّل المحتوى حسب احتياج كل طالب ، وكذلك استخدام روبوتات تعليمية للمراجعة والتقويم ، وتحليل البيانات التعليمية لتحسين الأداء المدرسي ، وقد وقّعت المملكة عدة شراكات مع كبرى شركات التقنية لتعزيز المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي ، مثل مايكروسوفت وIBM وأنفيديا لدعم النمو التعليمي المتزايد في هذا المجال والمنافسة فيه عالمياً ، وبحسب إحصائيات عالمية حديثة صدرت في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2024)، فإن إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم يمكن أن يرفع جودة مخرجات التعلّم بنسبة تصل إلى 30% خلال خمس سنوات.
كما أطلقت وزارة التعليم مبادرات رقمية حديثة في مجال الاستثمار في تقنيات التعليم مثل منصة مدرستي التي أصبحت نموذجًا محليًا وعالمياً ناجحًا في التعليم المدمج ، والواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) لتقديم تجارب تعليمية تفاعلية في العلوم والطب والهندسة ، واستخدام تحليلات التعلم Learning Analytics لقياس الأداء وتقديم الدعم الفردي.
وتسعى المنظومة التعليمية بالمملكة إلى الانفتاح على التجارب التعليمية العالمية حيث أبرمت شراكات مع منظمات تعليمية دولية مثل :OECD لتحسين جودة التعليم والتقويم ، Cambridge وIB لإثراء التجارب في التعليم الدولي ، واستقطاب جامعات عالمية تربط برامجها بأرقى المعايير العلمية.
ولا يخلو أي مشروع من تحديات وفرص ، مثل الحاجة إلى تكثيف برامج تدريب العاملين في القطاع التعليمي على التحول الرقمي ، وكذلك تقليل الفجوة التقنية ، ولكن الفرص تفوق التحديات حيث تمتلك المنظومة التعليمية بالسعودية بنية تحتية رقمية قوية ، ودعمًا سياسيًا وماليًا غير مسبوق للتعليم ، وقيادات واعدة وميدان تعليمي مرن قابل للتكيّف مع التحول والمتطلبات المستقبلية.
إن مشروع التحول التعليمي في السعودية ليس مجرد تحديث تقني ، بل تحول فلسفي شامل يعيد تعريف التعليم كمشروع وطني مواكب للمتغيرات العالمية ويستثمر في الإنسان السعودي ، ويتكامل مع رؤية 2030 في توظيف الذكاء الاصطناعي والانفتاح على التجارب العالمية ، لتسير المملكة بخطى ثابتة نحو أن تكون نموذجًا عالميًا رائدًا في التعليم العصري المتجذر في قيمه والمنفتح على العالم.


