الزمن الذي لم يصل …!! The Time That Has Not Yet Arrived…!!
«ما يُربّى بعيدًا عن العيون، لا يضيع… لأنه في حفظِ الله»

✒️ راضي غربي العنزي-“كاتب سعودي“
لا يبدأ التغيير حين نقرره، بل حين نتوقف عن استعجاله.
هناك لحظة خفية، لا تُرى ولا تُقاس، يبدأ فيها شيء ما بالتحرّك في الداخل دون ضجيج، كأن الله – سبحانه وتعالى – يعيد ترتيب النفس قبل أن يسمح لها أن تمشي. ليس لأن الطريق طويل، بل لأن الإنسان أعمق مما يظن، والله أعلم بما يصلحه، وأرحم به من أن يدفعه إلى التحوّل دفعًا.
نخطئ حين نتصور أن التعلم قفزة، وأن التغيير لحظة مسرحية، ثم نُفاجأ بالتعب، ونتهم الفكرة لا العجلة. والحقيقة أن العادات المتجذّرة في الفرد والمجتمع ليست أخطاء سطحية، بل تاريخًا طويلًا من التكرار، ومن أراد اقتلاعها دفعة واحدة كمن يحاول نزع الجذور بيدٍ مرتعشة. والله – جلّ جلاله – منزّه ، لا يربّي عباده بالصدمة، بل بالحكمة، ولا يُصلحهم بالكسر، بل بالستر والتدرّج.
وحين نتأمل النص الإلهي، نجد أن التغيير لم يُنسب إلينا وحدنا، بل قُرن بعلم الله وتقديره:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
فالتغيير ليس تحديًا ، بل سيرًا إلى الله بثبات ، خطوةً بخطوة، ونحن مأمورون بالفعل، مطمئنون بالنتيجة، لأن الحق هو أن تعمل وتسلّم، لا أن تعمل وتُخاصم الزمن.
السخرية التي لا نحب الاعتراف بها أن الإنسان يستعجل ما لو جاءه سريعًا لأفسده. يريد نتائج قبل النضج، ووصولًا قبل الاستعداد، ثم يتعجب من الانكسار. كأن الصبر أصبح تهمة، مع أنه أعظم عطايا الله لعباده، وقد قال النبي ﷺ: «وما أُعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر». فالصبر ليس انتظارًا خامدًا، بل وعيٌ يعمل، وثقةٌ لا تصرخ.
الفلاسفة والحكماء أدركوا هذه الحقيقة قبل أن تتحول السرعة إلى قيمة زائفة. سينيكا، الفيلسوف الروماني، كان يرى أن العجلة ليست سرعة، بل ارتباكًا مقنّعًا، وأن النفس حين تُدفَع أكثر مما تحتمل، تنكسر بدل أن تتقدّم. والغزالي تحدث عن مجاهدة النفس بوصفها تهذيبًا لا عنفًا، لأن الله لطيف بعباده، يُصلحهم برفق لا بقسوة. وابن خلدون حين تأمل تحولات المجتمعات، رأى أن التغيير لا يحدث فجأة، بل يتسلل ببطء حتى يصبح واقعًا، وكأن الله يعلّم البشر أن الثبات أطول عمرًا من الانفجار.
في حياتنا اليومية، يبدو التغيير ساخرًا أحيانًا. قرارات كبيرة تُعلن بحماسة، ثم تتلاشى بهدوء، لا لضعف النية، بل لغياب الصبر. والإنسان، في لحظات صدقه، يكتشف أن أصعب ما في التغيير ليس البدء، بل الاستمرار حين لا يرى نتيجة. وهنا يظهر الفرق بين من يعمل ليثبت لنفسه، ومن يعمل لأنه يثق بالله، ويوقن أن كل خطوة محفوظة بعلمه.
شاب في الثلاثين من عمره قرر أن يتعلّم مهارة جديدة بعد سنوات من الإحباط. لم يكن عبقريًا، ولا يملك وقتًا مثاليًا، لكنه التزم بخطوة صغيرة: ساعة واحدة يوميًا، بلا إعلان ولا مقارنة. تعثّر، توقف أحيانًا، ثم عاد. مرّ عام، ثم آخر، حتى تغيّر مسار حياته بالكامل. لم تكن المفاجأة في النتيجة، بل في اكتشافه أن الله كان يحفظ خطواته حتى في الأيام التي ظنّ أنه لم يتقدم فيها. التغيير كان يحدث، فقط لم يكن صاخبًا، لأن ما يُصنع بالله لا يحتاج أن يلفت الانتباه.
والجميل في الأمر أن التغيير الحقيقي لا يشعر بك أثناء حدوثه، بل تلاحظه حين تلتفت إلى الوراء. كأن الله – سبحانه – يريدك أن تمشي مطمئنًا، لا منشغلًا بعدّ الخطوات، لأن القلب إذا امتلأ بالثقة، خفّ عنه ثقل الطريق. وليس البطء هنا ضعفًا، بل رحمة، وليس التأخير خسارة، بل حماية من استعجال لا يُحسن العاقبة.
وفي الخاتمة، لا يبدو التغيير انتصارًا صاخبًا، بل طمأنينة هادئة. ولا يظهر كقفزة، بل كرسوخ. فكل ما يُبنى بالله لا يسقط بالعجلة، وكل ما يُؤخَّر بعلمه لا يضيع، لأن الله واحد في حكمته، واحد في تدبيره، واحد في حفظه، لا يخذل من صدق، ولا يُهمل من سار.
● زلزال….
ليس ليهدمك، بل ليُسقط ما تعلّق فيك بغير الله؛ رجفةٌ تمرّ لتعيد ترتيب القلب، وتتركك أخفّ، أصدق، أقرب… كأن الرحمة حين تشتدّ لا تجرح، بل توقظ، وتقول بصوتٍ لا يُسمع: هنا يبدأ الثبات.
● ابتسم الآن …فأنا أكتب لأجلك ….ولتضئ..!
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com


