موعدٌ لم يحضره إلّا الغياب…!! “An Appointment Attended Only by Absence…!!”
«وفي زحمة الحياة… يرسل الله ضوءًا صغيرًا يكفي لإنقاذ قلبٍ كامل.»

✒️ راضي غربي العنزي – “كاتب سعودي”
في نهاية كل يوم، يقف الإنسان أمام مرآته الداخلية ليراجع ما لم يره أحد: مواعيده المؤجَّلة، ووجعه المخبوء، وخيباته التي تتظاهر بالقوة. وأكثر هذه المواعيد قسوة هي تلك التي يحضرها الغياب وحده، ويجلس فيها بثقة المنتصر، كأنه الضيف الأهم على طاولة القدر.
الغياب لا ينتظر دعوة ولا يستأذن أحدًا؛ يأتي بلا صوت ويترك ضجيجًا لا يهدأ. يشغل المقعد ويرحل، تاركًا خلفه صمتًا يشبه الحطام. ومع ذلك، كثير من الهزائم التي صلّبت أرواحنا لم يربحها أحد… ربحها الغياب.
هناك لحظات يكون فيها الغياب أكثر حضورًا من الوجوه، وأكثر وضوحًا من الحقائق. فالإنسان لا يخاف من الظلام بقدر ما يخاف من الفراغ الذي لا يملؤه أحد. لا يخاف من خسارة من يحب، بل من المساحة التي تتركها صورته حين يرحل.
ولذلك كان الصبر، في كل معركة داخلية، هو السلاح الذي لا يُهزم. قال تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾. آية صغيرة، لكنها كفيلة بإعادة ترتيب مدينة كاملة من القلوب المتعبة.
نحن لا نصطدم بالحياة بقدر ما نصطدم بتوقعاتنا. انتظرنا حضورًا فلم يأتِ، وتخيلنا دعمًا فلم يصل، وتشبثنا بوعودٍ لا تنوي أن تتحقق. وهنا تبدأ المعركة الفلسفية الحقيقية: هل الغياب خصمٌ أم معلم؟ هل الهجر جرحٌ أم تصحيح للمسار؟ هل الوحدة كسرٌ أم كشف؟
الأرواح القوية لا تُصنع في ضجيج العلاقات، بل في لحظة انكشاف صامتة تدرك فيها أن الاعتماد الحقيقي هو على الله، وأن أقسى التجارب قد تحمل ألطف المعاني.
داخل كل واحدٍ منا موعدٌ لم يحضره إلا الغياب: صديق تغيّر، حلم توقف عند خطوة، باب أُغلق دون سبب. لكن الغياب ليس النهاية؛ إنه إشارة لإعادة التوجيه. هو الريح التي تقتلعك من مكان لا يناسبك، لتزرعك في أرضٍ جديدة. وهو الصفحة البيضاء التي يمنحك الله إياها حين يصبح النص القديم غير صالح للاستمرار.
لا يهمّ من لم يأتِ… المهم من سيأتي. ولا يهمّ ما فُقد… المهم ما يصنعه الله بعد الفقد. فالغياب ليس نهاية الطريق، بل بداية لطريق يحتاج قلبًا أقوى ويقينًا أعمق.
الناجون الحقيقيون ليسوا أولئك الذين حضر الجميع معهم، بل الذين ظلّوا واقفين رغم أن أكثر من وعدهم بالحضور… غاب.
نقطة قبل السطر.
كل ما لم يأتِ… لم يكن لك. وكل ما كُتب لك… لن يُخطئك.
● ابتسم …فهناك من يحبك …ويكتب لأجلك ..!
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com



