كتاب واصل

صياغة العوض ….!

ذلك الإنسان الذي يُشبه الدعاء المستجاب

✍️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

ليست المعجزة أن يتبدّل واقعك، بل أن يُبدّل الله شعورك نحوه، فيجعل الألم طريقًا إلى النور.

فأعظم الكرم الإلهي أن يُرسل لك إنسانًا، لا ليملأ فراغك… بل ليُعيد إليك نفسك.

في هذا العالم الذي يزداد ضجيجًا كل يوم، تتكدس الوجوه وتقلّ الأرواح، ويصبح الحديث عن الصدق واللطف أشبه بأسطورة من زمنٍ نقي.

لكن الله، المهيمن على كل خفقةٍ في قلبك، يُدبّر اللطف حين يظن الجميع أن لا رجاء بعد.

فلا يفتح لك خزائن الأرض، بل يفتح لك قلبًا واحدًا فيه من الراحة ما يُنسيك تعب السنين.

يُرسل لك إنسانًا لا يعرف التكلّف، ولا يتزين بالكلمات، لكنه يملك تلك الطمأنينة التي تُعيد ترتيبك دون أن يُغيّرك.

قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5–6]،

وهي الآية التي تذكّرك أن الله لا يكتب شقاءً خالصًا، بل ينسج في قلب كل ضيق بابًا خفيًا إلى الرحمة.

تلك الرحمة قد تكون إنسانًا واحدًا… يدخل حياتك في اللحظة التي تظن فيها أن لا أحد يفهمك،

فيكون هو الجواب على كل ما لم تفهمه أنت من قبل.

ذلك الإنسان لا يرفع صوته، ولا يملأ حضورَه ضجيجًا.

لكنه يلمسك بلغةٍ لا تُقال، ويُشعرك أن الطمأنينة ليست وعدًا من الزمن، بل عطية من الله عبر بشرٍ اختارهم ليكونوا ظل رحمته في الأرض.

إنه ذلك الصنف النادر الذي يُعيد إليك التوازن لا بالجدل، بل بالسكوت الذي يفهمك.

وحين يكون هذا الإنسان في حياتك، تدرك أن العوض لا يأتي من الخارج، بل من الله تعالى، في هيئة إنسانٍ يحمل بين ضلوعه سلامًا لا يُشترى.

قال أرسطو ذات يوم: “الصديق الحقيقي هو نفسٌ ثانية.”

ولعله لو عاش في زمننا لقال: “والعوض الحقيقي هو النفس التي تُعيد نفسك إليك.”

لأن بعض البشر يُصلحونك أكثر مما يُعلّمونك، ويُشفونك -بأمر الله- أكثر مما يُحاورونك، ووجودهم وحده درس في الفهم والسكينة.

لقد علّمتنا الحياة أن ليست كل الخسارات شرًا، وأن التأخير أحيانًا ليس عقوبة بل تمهيد لعطيةٍ تستحق الانتظار.

فالله لا يختار لك العوض عشوائيًا، بل يصوغه من حكمةٍ، ويُرسله في اللحظة التي يطمئن فيها قلبك لتقبله.

حينئذٍ تفهم أن ما ظننته نهاية، كان في الحقيقة إعدادًا لبدايةٍ تليق بمن صبر ولم ييأس.

قال رسول الله ﷺ: «من يتصبر يصبره الله، وما أُعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر.»

فمن صبر عرف، ومن عرف سلّم، ومن سلّم رُزق ذلك الإنسان الذي يُشبه الدعاء المستجاب.

يدخل حياتك برفقٍ من لا يطالب، ولا يُحاسب، ولا يُنافس، بل يُساندك في سكونٍ نبيل، كأنه خُلق ليذكّرك بلطف الله كلما ضاقت بك الحياة.

العوض الجميل ليس رواية تُحكى، بل حالة تُعاش.

تُدركه حين يمرّ فيك السلام بعد زمنٍ من العاصفة، وحين تجد نفسك تبتسم دون سبب، لأن الله أرسل لك سببًا يشبه الرحمة في وجهها الإنساني.

ذلك الإنسان هو الدليل على أن الله لا يترك قلبًا صدق في الدعاء، ولا يُمهل روحًا تعبت إلا ليُرسل لها من يُعيد اتزانها.

وفي لحظةٍ صامتة، بعد طول اضطراب، تُدرك أن أجمل الأقدار ليست تلك التي غيّرت حياتك، بل التي غيّرت نظرتك إليها.

وحين يمنّ الله عليك بإنسانٍ كهذا، فإن العالم يعجز عن صياغة ما تشعر به،

لأن الكلمة تضيق حين يتجلى الفعل الإلهي في هيئة بشرٍ واحد… يمشي على الأرض بلطفٍ يُشبه المعجزة.!

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438

_____________________________________________

Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى