راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
في زمن يزداد فيه بريق الزيف وتخفت فيه أنوار الصدق، يظن الناس أن الفتح الرباني يُنال بالحيلة، أو يُشترى بالذكاء، أو يُستدرّ بمهارة العلاقات. لكن الحقيقة الساطعة التي تُخفيها غشاوة القلوب هي أن أعظم الفتوحات لا تُنال بالقوة، بل بالنقاء.
قال الله تعالى:
“يومَ لا ينفع مالٌ ولا بنون * إلا من أتى الله بقلبٍ سليم” – الشعراء: 88-89
وقال النبي ﷺ:
“ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب.”
(متفق عليه)
وقال المثل العربي:
“سلامة الصدر راحة العمر.”
العالم اليوم يهرول في سباق محموم نحو كل شيء إلا الصفاء. يتنافس الناس على الظهور، وينسون أن الله لا يعطي نوره إلا لمن طهّر باطنه. يتمنّون الخير لأنفسهم فقط، وكأن رزق الآخرين يسرق من أرزاقهم. ينافسون في الدعاء لا ليُستجاب، بل ليتفوقوا على بعضهم حتى في الخشوع.
إن القلب السليم ليس شعارًا نعلّقه على الجدران، بل معركة صامتة نخوضها كل يوم ضد الحسد، وضد الكِبر، وضد بقايا الشرّ فينا. إنه أن تتمنّى للناس الخير حقًا، أن تفرح لنجاح من كان يومًا منافسك، وأن تدعو لمن أساء إليك دون أن يراك أحد.
حينها فقط تتبدّل الموازين، فما كان صعبًا يصير سهلًا، وما كان مغلقًا يُفتح بلا مفتاح، وما كنت تظنه حظًّا تكتشف أنه أثر طيبتك القديمة.
يا صديقي، الفتح لا يزور القلوب التي تحمل غلًا، ولا ينزل على من ينام وفي صدره رماد الكراهية. الله لا يفتح لمن يسدّ على الناس أبواب الرحمة، ولا يكرم من يفرح بعثرة الآخرين. فلتنظف قلبك قبل أن ترفع يديك، ولتغسل نيتك قبل أن تطلب فتحًا من السماء.
العقل قد يوصلك إلى المنصب، لكن صفاء القلب وحده يوصلك إلى الرضا. والرضا هو أعلى درجات الفتح. فكن بسيطًا في ظاهرك، نقيًّا في باطنك، وادعُ للناس كما تدعو لنفسك، فما كان الله ليضيّع من جعل قلبه بيتًا للنور.
في نهاية هذا العالم المتوتر، ستكتشف أن الفائز الحقيقي ليس من انتصر على الآخرين، بل من انتصر على نفسه دون أن يسقط قلبه.
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
_____________________________________________
Radi1444@hotmail.com