إشعال الحرائق الطائفية بين المكوّنات المجتمعية
بقلم / منصور ماجد الذيابي
يخبرنا التاريخ أن كل الحروب التي اندلعت عبر العصور الماضية بدءا من العصر الجاهلي وما قبل العصرالجاهلي وحتى هذا العصر الذي نعيش فيه اليوم أن لكل حرب أطراف أخرى غير مشاركة فعليا في أي حرب أهلية لكنها وبالرغم من محاولات اطراف مسالمة أخرى تسعى للتهدئة وايقاف الحروب إلا أن قوى الشر توقد شرارة الحرب وتشعل فتيل الأزمات بين الشعوب لتحقيق مصالح سياسية و أطماع توسعية على أنقاض الدمار والهلاك الذي ينتج عن الحروب الأهلية بين المذاهب العقائدية عندما تتمكن هذه الأطراف من اختراق نسيج وحدة المجتمع وتزرع بذور الفتنة الطائفية، تلك البذور التي تنتشر و تنمو مع مرور الزمن في زوايا العقل العربي وغير العربي لتصبح فيما بعد قنابل موقوتة يمكن تفجيرها عن بعد بيَن هذه المكونات المذهبية لتحقيق أهداف التوغل و الهيمنة واحتلال الأرض والسيطرة على مواردها ومكتسباتها بل وحتى السيطرة على العقول التي تم غسلها و تغذيتها في مراحل سابقة بوقود الفتنة المذهبية و الفرقة الطائفية لأجل تفكيك روابط النسيج المجتمعي وبالتالي إحداث ثغرات فكرية يمكن من خلالها التسلل و زعزعة كيان المجتمع و زلزلة أركانه والقضاء عليه بنفس الأدوات التي صنعتها أطراف أخرى بعيدة عن مسرح الأحداث الدموية و الفتن الطائفية.
من خلال هذه المقدمة نعلم جميعا وكما جاء في قوله تعالى ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَاللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا”، نعلم أن لزرع بذور التفرقة نتائج وخيمة وخطيرة على استقرار حياة البشر من حيث اشعال نار الفتنة فيما بينهم بعد مرحلة التغلغل الفكري ثم التواجدالعسكري على أرض المجتمع إذا ما منحت المكونات الاجتماعية الفرصة واستقوت بدعاة التفرقة لفتح المجال لهم بالتوغل و زعزعة الاستقرار في هذه المحافظة او تلك القرية التي كانت آمنة مطمئنة ثم كفرت بأنعم الله فأذاقها اللهلباس الخوف و البلاء كما ورد في الآية الكريمة : ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْكُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾.
من هنا ينبغي على الحكماء إن وجدوا ألا يكونوا وكلاء لأعدائهم و أن يتحدوا بكلمة سواء في بلدانهم و يتفقوا على كل ما من شأنه تعزيز مقومات الأمن والاستقرار و نبذ الخلافات و سد الثغرات أمام الأطماع التوسعية للدولالأخرى التي تبحث عن التوترات و تستثمر فيها بقوتها العسكرية كما ذكرت في مقال سابق بعنوان ” الإستثمارالأجنبي في مناطق التوتر ” مثلما حدث ويحدث في السودان و لبنان و العراق واليمن حيث تصول و تجول المليشيات المسلحة المدعومة والمغرّر بها من دول أخرى كما أشرت أيضا في مقالات كثيرة عن الحروب والصراعات في مناطق واسعة من العالم و تحديدا في فلسطين حيث يموت الأطفال بين أيادي الآباء والأمهات جوعا و عطشا أمام دبابات و مجنزرات و مدرعات العدو الصهيوني .
هذا العدو الإسرائيلي المدعوم أمريكيا و حلفا أطلسيًا يبحث كذلك بل و يسعى الى اشعال الفتن الطائفية ليمكن له التوسع والتوغل عسكريا في مناطق النزاع كما حدث مؤخرا عندما تدخل الجيش الاسرائيلي و شنت طائراته غارات جوية على سوريا ليس لنصرة حلفائهم في السويداء كما يزعمون و إنما لأجل أن تكون سوريا ساحة صراع دموي جديدة لسياسة التجويع والتمزيق والتقسيم و تفكيك الوحدة الوطنية و تدمير البنية التحتية في انتهاك صارخ لمبادئ ما يسمى بالقانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان العربي وبالتالي احتلال الأرض وانتهاك العرض و تشريد البشر كما أوضحت في مقال سابق بعنوان ” سياسة التهويد والتهجير والتجويع “.
و أخيرا أرى أنه من المهم أن تصمد جميع المكونات المجتمعية في أي بلد عربي أمام غزوات الطامعين المعتدين وتجعل المصلحة الوطنية هي المصلحة العليا والخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه تحت أي ذريعة.