” حصن معشي.. حين يشهد الحجر على الوفاء .. ويتجسّد التاريخ في رجلٍ من هذا الزمن” —

بللسمر – واصل- فهد الرياحي : 

في زمنٍ باتت فيه الأصالة تُزاحمها الحداثة، تبرز بعض المواقف كأعمدةٍ لا تنحني، ومبانٍ لا تُنسى، لأنها لا تُشيَّد بالحجر فقط، بل تُبنى بالوفاء، والنية الصادقة، وحب الأرض.

قصر “معشي” ليس مجرد معمار، بل رسالة حيّة من رجلٍ قرر أن يترك للتاريخ بابًا مشرعًا على الجمال والانتماء.

في زمنٍ تسارعت فيه وتيرة الحداثة على حساب الجذور، برزت مبادرات فردية نادرة تُعيد تشكيل ملامح الذاكرة المحلية، وتُصالح الإنسان مع ماضيه.

قصر “معشي” في بللسمر ليس مجرد بناء، بل هو قصيدة من الحجارة والخشب والنيّة الطيبة، كتَبها رجلٌ حمل في قلبه حُب المكان والناس، وهو رجل المواقف والوفاء : سعيد بن علي بن حامد الأسمري.

قصر معشي.. معمار الحنين والهوية : يقع قصر “معشي” في بللسمر بمنطقة عسير، ويعد من أبرز المعالم المعمارية الخاصة التي تم تشييدها بلمسة تراثية نادرة، تعيد إحياء الطابع الجنوبي الأصيل.

على مساحة تتجاوز 7500 متر مربع، شُيّد القصر بفلسفة تمزج بين الأصالة والجمال، إذ استعان صاحب القصر بمواد البناء التقليدية من الخشب والحجر الطبيعي، واستغرق العمل فيه ما يزيد على 6 سنوات من الجهد، والدقة، والولاء للهوية الجنوبية.

القصر يحتوي على مجموعة من الفلل والمجالس وقاعات الضيافة، مصممة على النمط الحجري الجنوبي المعروف، ومزينة بتفاصيل معمارية مستوحاة من تاريخ “رجال الحجر” في عسير.

مؤسس قصر معشي : سعيد بن علي بن حامد الأسمري . هو الرجل الذي يعود إليه الفضل في بناء وإحياء قصر أو حصن “معشي” في منطقة بلسمر جنوب المملكة العربية السعودية.

رجلٌ ترعرع في بيئة تحترم المروءة وتحفظ العهد، وهو اليوم أحد الشخصيات البارزة في الرياضة والتراث، إذ يحمل صفة قاضٍ دولي في الكونغ فو،

إضافة لكونه مدرباً ومستشاراً رياضياً معتمداً لدى الهيئة العامة للرياضة. لم تمنعه مسؤولياته العملية من الوفاء بوعد قطعه لوالده اطال الله عمره ، وهو بناء صرحٍ يعكس تراث الأجداد في زمنٍ تكاد تختفي فيه المعالم القديمة.

الضيافة التي تعكس معدن الرجال : القصر ليس مجرد مكان للاستعراض أو السكن، بل منصة مفتوحة للضيافة، وملتقى للكرم، احتضن زوارًا كبارًا، من بينهم صاحب السمو الملكي الأمير : تركي بن طلال بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير وعدد من الأمراء وشخصيات الاجتماعية والقبلية من داخل المملكة وخارجها .

يؤكد الشيخ سعيد أن “قيمة القصر ليست في حجارته، بل في الرجال الذين يمرّون به ، وفي العلاقات التي تنسجها المجالس العامرة”.

الختام : رسالة وفاء ” للموروث “

“معشي” ليس مجرد قصر ، بل هو بيان بصوتٍ عالٍ أن التراث لا يجب أن يُهمل، وأن الإرادة الفردية قادرة على أن تصنع من الطين والحجر مجدًا حضاريًا يليق بالوطن.

إن ما قام به سعيد بن حامد الأسمري ليس مشروعًا خاصًا فحسب، بل هو مبادرة تستحق أن تُحتذى، ويُدعمها القطاعان العام والخاص، لتتحول قصورنا القديمة من ذكرى منسية إلى حاضر نابض بالفخر.

سيظل قصر معشي شاهدًا على أن من يصون الماضي، يبني المستقبل.”