التقييم من أجل التعلم.. لا للحكم..

مستشار تربوي وتعليمي
لا يختلف اثنان من التربويين على أهمية الاختبارات كوسيلة لقياس ما تعلّمه الطالب، ورصد ما تحقق من أهداف تعليمية. فهي تتيح للمعلم تشخيص الفجوات، وتساعد المتعلم على إدراك مستواه، كما توفّر للمسؤولين مؤشرات تساعد في تحسين الأداء التعليمي. ومع ذلك، فإن الإشكال لا يكمن في وجود الاختبارات، بل في تحويلها إلى المعيار الرئيس – وأحيانًا الوحيد – للحكم على الطالب وتقييمه.
في بعض البيئات التعليمية، يُختزل التقييم في اختبار نهائي أو نصفي يمثل 80 أو حتى 100% من الحكم على الطالب، وهو ما يتنافى مع العدالة التربوية والمنطق التعليمي. ذلك أن الطالب كائن متغيّر، متفاعل، يتطور مع الزمن، ويملك طيفًا واسعًا من القدرات والمهارات لا يمكن لاختبار واحد او اثنين أن يختزلاها أو يعكساها بدقة.
الاختبارات، وخاصة إذا كانت تقليدية أو نمطية، تقيس مستوى التحصيل المعرفي في لحظة معينة، لكنها غالبًا لا تقيس مهارات التفكير العليا، ولا الإبداع، ولا النمو العاطفي أو الاجتماعي. فهل من العدل أن يُبنى مصير الطالب التعليمي – أو أحيانا مستقبله – على أداء لحظي في ورقة اختبار؟
لهذا، بدأت كثير من الأنظمة التعليمية المتقدمة تتبنى مفهوم “التقييم من أجل التعلم” بدلاً من “التقييم للحكم”، حيث يصبح التقييم أداة للنمو والتطوير وليس مجرد أداة للحساب والعقاب.
في فنلندا، على سبيل المثال، لا توجد اختبارات وطنية إلزامية قبل المرحلة الثانوية، ويُمنح المعلمون الحرية في استخدام أدوات تقييم متنوعة تشمل: المشاريع، التجارب، الملاحظات الصفية، التقييم الذاتي، والعمل الجماعي. ويتم إعطاء كل أداة وزنًا متوازنًا بحسب طبيعة المادة، وليس بالضرورة أن تحظى الاختبارات بأكبر نسبة.
أما في كندا (في بعض المقاطعات)، فالتقييم يقوم على أربع فئات: المعرفة، التفكير، التواصل، والتطبيق. ويتم استخدام مهام أدائية، عروض تقديمية، ملفات إنجاز، اختبارات قصيرة، ومهام صفية عملية. والأهم أن هذه الأدوات تُستخدم في جميع المواد — النظرية والعلمية والعملية — وليس مقتصرا على المواد النظرية فقط.
وختاما..
لسنا هنا ندعو إلى إلغاء الاختبارات، بل إلى إعادة وضعها في حجمها الطبيعي كجزء من منظومة تقييم شاملة. نحتاج إلى ممارسات تقييم تراعي تنوع قدرات الطلاب، وتدمج بين الأداء العملي، المشاريع، الحوار، الملاحظة، والتغذية الراجعة المستمرة، إلى جانب الاختبار عند الحاجة.
إن التقييم العادل لا يحكم على الطالب من نافذة ضيقة، بل يفتح له نوافذ متعددة ليُظهر ما يستطيع. وهذا ما ينبغي أن يكون.