كتاب واصل

قلق التحصيل الدراسي والتوتر

أ.د. أحمد بن محمد الحسين – أكاديمي سعودي

يعرف قلق التحصيل الدراسي بحالة من القلق النفسي والتوتر التي يشعر بها الطالب تجاه أدائه الأكاديمي.

وقد يظهر هذا القلق بسبب الخوف من الفشل، أو من عدم القدرة على تحقيق توقعات الأهل أو المعلمين.

ويتراوح هذا القلق من مستويات منخفضة تشجع الطالب على الأداء الجيد، إلى مستويات عالية تؤثر سلباً على قدرته على التفكير والتركيز أثناء الامتحانات أو في الأنشطة الدراسية.

العلاقة بين قلق التحصيل والتوتر علاقة وثيقة حيث يرتبطان بشكل واضح، ويؤثر كل منهما على الآخر ويعزز من شدة الحالة النفسية لدى الطالب، ومن علامات الارتباط:
١/ قلق التحصيل يؤدي إلى التوتر:
عندما يشعر الطالب بقلق بشأن أدائه الأكاديمي أو نتائجه الدراسية، يتسبب هذا القلق في استجابة نفسية وفسيولوجية، مثل تسارع ضربات القلب، الارتجاف، أو صعوبة في التنفس، وهذه أعراض تشير إلى التوتر.

– الخوف من الفشل: عندما يكون الطالب في حالة قلق شديد بشأن تحصيله الأكاديمي، يصبح لديه خوف مستمر من الفشل، وهذا القلق يمكن أن يتحول إلى توتر شديد، مما يعيق القدرة على التركيز والتفكير بوضوح.
– الضغط الناتج عن التوقعات العالية: إذا كانت التوقعات من الأهل أو المعلمين مرتفعة جداً، قد يشعر الطالب بالتوتر عند محاولة تحقيق هذه التوقعات، مما يزيد من حدة القلق والتوتر.
٢/ التوتر يعزز من قلق التحصيل:
في المقابل، عندما يواجه الطالب توتراً شديداً نتيجة لضغوطات دراسية أو شخصية، فإن هذا التوتر يمكن أن يزيد من قلقه بشأن تحصيله الأكاديمي.
– ضعف التركيز: التوتر قد يؤدي إلى ضعف التركيز وعدم القدرة على إدارة الوقت بشكل جيد، مما يزيد من الشعور بالقلق حول تحصيله الأكاديمي.
– المشاعر السلبية: التوتر المزمن يمكن أن يعزز من مشاعر الإحباط واليأس، مما يجعل الطالب يشعر بأنه غير قادر على تحسين أدائه الدراسي، وبالتالي يزداد قلقه.
٣/ الاستجابة الجسدية والنفسية المشتركة:
كل من قلق التحصيل والتوتر يشتركان في استجابات جسدية ونفسية مشابهة. فالتوتر الناتج عن قلق التحصيل قد يتجلى في شكل:
– أعراض جسدية مثل آلام الرأس، اضطرابات في النوم، أو زيادة معدل ضربات القلب.
– أعراض نفسية مثل الشعور بالقلق المستمر، والاكتئاب، والخوف من الفشل، مما يخلق حلقة مفرغة من القلق والتوتر.
٤/ العلاقة التفاعلية بينهما:
قد يدخل الطالب في حلقة تفاعلية بين قلق التحصيل والتوتر، حيث أن القلق يؤدي إلى التوتر، والتوتر يعزز القلق. هذا يمكن أن يؤثر على الأداء الدراسي، حيث يصبح الطالب أكثر قلقاً بشأن فشله في الدراسة، مما يؤدي إلى مزيد من التوتر الذي قد يعيق التحصيل الدراسي والتفوق.

هل يعتبر قلق التحصيل الدراسي علامة جيدة؟
قد يكون قلق التحصيل في حدوده المعتدلة دليلاً على اهتمام الطالب وتفانيه في دراسته. في هذه الحالة، يعمل القلق كمحفز لتطوير المهارات الدراسية، مما يساعد في تحسين الأداء. ومع ذلك، عندما يتجاوز القلق حدوده المعتدلة ويصبح مرهقاً نفسياً، فإنه يصبح ضاراً وقد يؤدي إلى تراجع الأداء الأكاديمي، بالإضافة إلى تأثيرات نفسية مثل الاكتئاب والقلق العام.

أهم العوامل التي تؤدي إلى قلق التحصيل الدراسي:
١/ التوقعات العالية: الضغط الناتج عن توقعات الأهل أو المعلمين يمكن أن يزيد من شعور الطالب بالقلق.
٢/ قلة الثقة بالنفس: عندما يشعر الطالب بعدم الكفاءة أو القلق من الفشل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى قلق مفرط.
٣/ التنافسية الشديدة: البيئة الدراسية التي تركز على التنافس يمكن أن تسبب ضغطاً إضافياً على الطلاب.
٤/ التحديات الأكاديمية: صعوبة المواد الدراسية أو عدم القدرة على مواكبة المنهج الدراسي يمكن أن تساهم في زيادة القلق.
٥/ التغييرات الحياتية: مثل الانتقال إلى مدرسة جديدة أو مرحلة تعليمية أخرى قد تؤدي إلى ضغوط إضافية.

كيفية التحكم بقلق التحصيل الدراسي:
١/ تنظيم الوقت: وضع خطة دراسية واضحة تساعد في تقليل الشعور بالضغط بسبب المهام المتراكمة.
٢/ تقنيات الاسترخاء: مثل التنفس العميق أو التأمل يمكن أن تساعد في تقليل التوتر.
٣/ التركيز على الجوانب الإيجابية: محاولة إعادة تقييم الوضع الدراسي بشكل إيجابي، والتأكيد على النجاحات التي تحققت.
٤/ الدعم الاجتماعي: التحدث مع الأصدقاء، الأهل أو المعلمين عن القلق يساعد في تخفيفه.

دور المعلم والأسرة لمعالجة قلق التحصيل الدراسي:
١/ دور المعلم:
١/١ تقديم الدعم العاطفي: يجب أن يكون المعلم قادراً على التعرف على الطلاب الذين يعانون من قلق التحصيل وتقديم الدعم المعنوي لهم.
١/٢ تقديم ملاحظات بناءة: بدلاً من توجيه انتقادات قاسية، يجب أن يقدم المعلم ملاحظات تشجع الطالب على التحسين بشكل إيجابي.
١/٣ خلق بيئة دراسية داعمة: من خلال جعل الصف بيئة خالية من الضغط الزائد، حيث يشعر الطلاب بالراحة والقدرة على التعبير عن أنفسهم.

٢/ دور الأسرة:
١/٢ الدعم النفسي: يجب أن تقدم الأسرة بيئة مشجعة خالية من الضغوطات، مع التركيز على تحفيز الطلاب بدلاً من الضغط عليهم.
٢/٢ تحديد التوقعات الواقعية: من المهم أن تكون التوقعات من الطلاب واقعية وتناسب قدراتهم.
٢/٣ الاستماع والتوجيه: يجب أن يتحدث الوالدان مع الأبناء عن مشاعرهم ومخاوفهم المتعلقة بالدراسة والعمل على توفير الحلول المناسبة.

هل يمكن أن تساهم المناهج الدراسية في خلق أو زيادة قلق التحصيل الدراسي لدى الطلاب؟ يمكن ذلك من خلال عدة عوامل:
١/ العبء الدراسي الكبير:
المناهج الدراسية التي تحتوي على كم كبير من المعلومات والموضوعات التي يجب على الطلاب إتقانها قد تؤدي إلى الشعور بالإرهاق والضغط. هذا العبء المتراكم قد يزيد من مستوى القلق، خاصة عندما لا يتوفر الوقت الكافي للاستعداد للامتحانات أو المراجعة.
٢/ صعوبة المحتوى:
إذا كانت المناهج الدراسية تحتوي على مواضيع صعبة أو غير مفهومة بشكل جيد من قبل الطلاب، قد يشعرون بعدم القدرة على مواكبة المنهج، مما يساهم في شعورهم بالعجز والقلق.
٣/ أساليب التقييم:
تعتمد العديد من المناهج الدراسية على التقييمات الامتحانية التقليدية التي قد تكون موجهة بشكل مفاجئ أو قاسي. هذه الامتحانات، عندما تكون ثقيلة أو تركز على تقييم مهارات محددة بشكل ضيق، قد تثير شعوراً بالقلق لدى الطلاب الذين يعتقدون أن نجاحهم أو فشلهم يعتمد بشكل كبير على أدائهم في هذه الامتحانات.
٤/ عدم التوازن بين مختلف المواد:
عندما تكون بعض المواد أكثر صعوبة أو تتطلب وقتاً أطول للتحضير، بينما تكون الأخرى أسهل أو تتطلب تركيزاً أقل، يمكن أن يشعر الطالب بأن هناك عدم توازن في المتطلبات الدراسية، مما يؤدي إلى شعور بالضغط والتوتر.
٥/ نقص التوجيه والإرشاد:
قد تفتقر بعض المناهج إلى آليات دعم للطلاب مثل الإرشاد النفسي أو الأكاديمي الذي يساعدهم على التكيف مع الصعوبات الدراسية. غياب هذه الأنظمة قد يزيد من شعور الطالب بالعزلة والقلق.
٦/ التركيز على المنافسة بدلاً من التعاون:
بعض المناهج التي تركز بشكل كبير على التقييم الفردي والمقارنة بين الطلاب قد تؤدي إلى جو من التنافس الشديد، مما يعزز شعور القلق، خاصة لدى الطلاب الذين يعانون من تدني الثقة بالنفس.

ويمكن تقليل تأثير المناهج الدراسية على قلق التحصيل بالكيفية التالية:
١/ تطوير المناهج لتكون مرنة ومتوازنة، بحيث تتيح للطلاب الوقت الكافي لفهم المواد والمراجعة.
٢/ تنويع أساليب التقييم: من خلال استخدام أساليب تقييم متعددة، مثل المشاريع، والعروض الشفوية، والاختبارات القصيرة التي تقلل من الضغط الناتج عن الامتحانات النهائية.
٣/ إضافة التوجيه والإرشاد الأكاديمي: توفير أنشطة أو جلسات تفاعلية تساعد الطلاب على إدارة القلق والضغوط الدراسية.
٤/ تشجيع التعاون بين الطلاب: بدلاً من التركيز على التنافس فقط، ينبغي أن تكون المناهج مصممة بحيث تشجع على العمل الجماعي والتعاون بين الطلاب، مما يقلل من شعور التوتر.
وإجمالًا، المناهج الدراسية يمكن أن تكون عاملاً في إثارة قلق التحصيل إذا لم تكن متوازنة وتراعي احتياجات الطلاب المختلفة، لذلك من المهم أن تكون هذه المناهج مرنة، مشجعة، وداعمة للطلاب في مواجهة التحديات الدراسية.

الخلاصة:
قلق التحصيل الدراسي يمكن أن يكون طبيعيًا في بعض الحالات، لكنه يتحول إلى مشكلة عندما يكون مفرطاً ويؤثر سلباً على الصحة النفسية والأداء الأكاديمي. من خلال التنظيم، الدعم من المعلمين والأسر، وتقنيات الاسترخاء، يمكن للطلاب تقليل هذا القلق وتحسين أدائهم الأكاديمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى