رصد الانتقالات من الشفاهي إلى الكتابي تهيمن على أوراق ملتقى “قراءة النص 21”
جدة – واصل – فهد البقمي:
في الجلسة الثانية من فعاليات الدورة الـ(21) من ملتقى قراءة النص، الذي ينظمه النادي الأدبي الثقافي بجدة، ويناقش فيه “التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والكتابية”, قدمها الدكتور ياسر مرزوق.
حيث شارك الدكتور صالح معيض الغامدي، بورقة تعقب فيها “جهود محمد القشعمي في تدوين السير الذاتية السعودية الشفوية”، هادفًا من خلالها إلى دراسة السير الذاتية الشفوية التي قام القشعمي بتسجيلها وتدوينها، مع محاولة الإجابة على بعض الأسئلة المهمة ومن أبرزها: ما معايير اختيار الشخصيات التي عني القشعمي بتدوين سيرهم الذاتية؟ وما هو المنهج المتبع في تسجيل هذه السير؟ وهل حافظت السيرة الذاتية الشفوية على ملامحها في الصيغة المسجلة أو المدونة؟ وما هي أبرز الإشكالات التي تواجه انتقال النص الشفوي السيري إلى نص مكتوب، وغيرها من الأسئلة والقضايا المرتبطة بهذا الموضوع. معتمدًا في ورقته على المصادر والمراجع المكتوبة، بالإضافة إلى لقاء شخصي مع الأستاذ محمد القشعمي تضمن طرح بعض الأسئلة عليه حول هذه الجهود التي قام بها في مجال جمع السير الذاتية الشفوية وتدوينها.
• أما الدكتور أحمد صالح الطامي فذهب في بحثه إلى رصد “تجليات التاريخ الثقافي في يوميات الشيخ محمد العبودي”، مستهدفًا بذلك استجلاء ما تحمله يوميات الشيخ محمد بن ناصر العبودي من تسجيل لحركة التطور الثقافي في جوانبها التعليمية والفكرية والاجتماعية كم سجلها قبل أكثر من ثمانين عامًا في يومياته، التي نشرها في ثلاثة مجلدات موسومة بــ(يوميات نجدي).
معتبرًا أن العبودي يعد رائدا من رواد كتابة اليوميات – بمفهومها العلمي- الأجناسي- في الأدب السعودي. مرتئيًا أن أهمية اليوميات الكبيرة والمتنامية – إلى جانب كونها أصلًا انعكاسًا لفكر الكاتب وتأملاته وأحاسيسه ومواقفه- تعد لعدة أسباب، من أهمها: أولاً، كونها تسجيلًا حيًّا للتاريخ الاجتماعي والثقافي والسياسي لزمن كاتب اليوميات. وثانيًا، مصداقيتها وصراحتها، فهي كتابة في أصلها يكتبها الكاتب لنفسه خاصة وليس في نيته نشرها أو إطلاع غيره عليها. وثالثًا، أن اليوميات تقربنا إلى الحياة اليومية لمجتمع الكاتب، وللناس العاديين والبسطاء الذين تصور اليوميات حياتهم وسلوكياتهم. ورابعًا، ومع الوقت، تزداد أهمية اليوميات كلما زاد تقادمها لتصبح تسجيلًا تاريخيًّا نفيسًّا ليس فقط لكاتبها وأسرته وإنما لزمانه وثقافته.
كاشفًا في ثنايا بحثه في (يوميات نجدي)، عن جانب تفصيلي مهم في تاريخ التطور الاجتماعي والثقافي والتعليمي في المملكة كما عايشه الكاتب في مدينة بريدة في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري.
• ويذهب الدكتور سعود بن حامد الصاعدي إلى مناقشة “جدلية الشفاهي والكتابي في ثقافة الصحراء”، من خلال نار المرخ وتوطين الحكايات، ممهدًا لذلك بإشارة لمفهوم التوطين بقوله: يبدو التوطين في دلالة من دلالاته شكلًا من أشكال الكتابة، فهو باعتبار جذره المعجمي يعني الإقامة والسكن، ومعنى أن يقيم الشيء أي أن يستقر فتكون له حدوده، وذلك ما تعنيه الكتابة في جذرها اللغوي؛ فالفعل: كتب في معنى من معانيه المعجمية يعني: الرسم والخط، والجمع والضمّ، والرسوم في أصلها هي الحدود، وكذلك الجمع والضم في دلالتها المقاربة لما يؤول إليه معنى الوطن. إذن فالتوطين من جهة والكتابة من جهة أخرى هما أن تضع حدودا للمكان وحدودا للكلمات، وعلى هذا فالمكتوب محدود ببداية ونهاية تجعله في معنى الوطن، أو هو توطين للكلمات ونقل لها من فضائها الشفاهي المطلق إلى فضائها الكتابي المقيَّد.
ويتابع مضيفًا: وعلى هذا الأساس التأثيلي تبدو فكرة التوطين منسجمة مع الكتابة، فالهِجَرُ والتجمعات السكنية، والقرى، والمدن، كلها أشكال من أشكال الكتابة في بعدها الحضاري، لأنها أحد تمثلات الكتابة في معناها النصي المرسوم بحدود لها بداية ونهاية، ولها شكل قارّ في بنية راسخة في التصور. وهذا المعنى لا نجده في المستوى الشفاهي الذي تنطلق فيه الكلمات حرة كالظباء في الفلوات، ذلك أن الصوت بطبيعته الفيزيائية ينتهي فور بدايته، فهو بلا حدود ولا قيود، وهو ما يجعل تقييده بالرسم الكتابي نوعا من التوطين أي منحه حيّزا مكانيا لا يغادره يكون له بمثابة الوطن.
خالصًا إلى القول: هكذا يبدو توطين الكلمات في نار المرخ، حين تنتقل الحكايات من حيزها الشفاهي المطلق، إلى حيز شفاهي مقيّد بآلة التسجيل.
• وركزت الدكتورة إيمان بنت أحمد العوفي، على “البودكاست”، حيث جاءت ورقتها تحت عنوان الشّفاهيّة الجديدة بين تواصل النّصّ وتداخل النّسق، متضمنة “قراءة في ثقافة التّدوين الصّوتيّ Podcast “، كاشفة في ثناياها عمّا أنتجته الشّفاهيّة الجديدة ممثّلة في نموذج رقميّ (البودكاست) بوصفه تدوينًا صوتيًّا يجمع بين الشّفاهيّة والكتابيّة، وقد امتزجتا عبر الأداة الحديثة في العالم الرقميّ لتكشف عن تواصلٍ نصّيّ وتداخلٍ نسقيّ، من خلال شفاهيّة رقميّة بملامح جديدة، تختلط بالشّفاهيّة الثّانويّة وبالسّمات الكتابيّة؛ لتشكّل نسقًا جديدًا عبر نمط ذاتيّ وآخر حواريّ.
كما ترصد الورقة تشكّل مصطلح (البودكاست) بين النّص والخطاب وتاريخه من تحوّل الأداة إلى تداخل النّسق، والنّظر إلى الشفاهية في تمظهرات جديدة من خلال هيمنة الصوت، وغياب التزامنيّة، وتجلّي الذاتية.
• وفي ورقتها رصدت الدكتورة هيفاء رشيد الجهني مسيرة “السرد الشعبي السعودي من الشفاهة إلى الكتابة”، باستهلال توصيفي للأدب الشعبي بوصفه أحد أنواع التراث الذي يستضيء به الفكر والثقافة الإنسانية، مقررة أن تراث الشعوب إنما هو تاريخهم وحضارتهم الممتدة التي يستقون من عبق أريجها الضارب في القدم جمال الحاضر وحضارة المستقبل.
ووتضيف الجهني: إن علاقة الشعوب المعاصرة بتراثها الأدبي هي علاقة أصالة وعراقة وتاريخ وهوية ثقافية إنسانية؛ فهو مصطلح يطلق على كل نتاج فكري ثقافي يساهم في توثيق حقبة زمنية بملامحها وأحداثها، أو يرسم نمط حياة في تلك الحقبة، وقد تم تناقله شفاهة بادئ ذي بدء، وهو خير وسيلة تعبر بها الأمم عن ذاتها بكل حرية، وخير مرآة يتبدى من خلالها حال المجتمع وأحلامه وآماله، وواقعه وطموحاته، وتاريخه، ومن الأهمية بمكان التعامل معه بكل تجلياته باعتباره كيان مستقل بذاته وعدم التعامل معه كوسيلة بل كغاية في حد ذاته. فالأدب الشعبي يعبر به الشعب عن أحاسيسه ومشاعره وحياته وفكره وهمومه وآلامه وآماله أفرادًا وجماعات، فهو من الشعب إلى الشعب، يصور حياتهم بكل جوانبها في بساطة وصدق، لذلك نجده يتغلغل في الذاكرة الجمعية للشعوب، وبما أن أدب الشعوب بدأ شفاهة حين لم تكن الكتابة بعد؛ أصبح ذلك الأدب تراثًا شفهيًا تتناقله الأجيال.
في ضوء هذه المستهديات مضت الجهني متناولة السرد الشعبي في الجزيرة العربية عمومًا وفي المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، من حيث التعريف والأهمية وأثر المتخيل الثقافي، وأنواعه وأدواته ومميزاته.