رحيل صوت الابتسامة

✍🏻بقلم/ هياء هديب الشهراني
في وفاة أبو مرداع، تجلّت لنا حقيقة نعلمها جميعًا،
لكننا كثيرًا ما نغفل عن استشعار قيمتها العميقة؛
حقيقة الذِّكر الطيب، وحُسن الخُلُق،
والتعامل مع الآخرين بألفةٍ ومحبةٍ وعفوية صادقة.
ابو مرداع لم يكن مجرد اسمٍ يُذكر،
بل أثرًا يُدرس، وخلقًا يُروى.
اشتهر بصفةٍ عظيمةٍ حثّ عليها رسول الله ﷺ حين قال:
**«أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس،
وأحبّ الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلم»
شهد له كل من عرفه، وكل من تابع حضوره
شهدوا له بالنفع، وبالقلب الذي لا يعرف إلا العطاء ورسم الابتسامة على محيا الآخرين .
أحبّه الله،فاختار له صحبةً صالحة،
تشابهت قلوبهم، وتقاربت أرواحهم،
فكأننا عشنا بينهم، وشاركناهم يومياتهم،
واصبحنا فردًا من مجموعتهم.
وفي وفاته، لم نحزن عليه وحده !!!!بل اشتد حزننا
على رفاقه لاننا نعلم مكانته لديهم فلقد احبوه ،
وكأنهم أهله، بل هم أهله بالروح.
نعلم قوة الرابط الذي جمعهم،
ونعرف اللحظات الجميلة التي نسجت بينهم عمرًا من الود.
غير أن العزاء كل العزاء، أن من رحل، رحل بذكرٍ طيب، وأن من ودّع الدنيا، قد مضى إلى ربٍ كريم،
وعدنا بجنةٍ عرضها السماوات والأرض
لمن حسُن خُلُقه، وصدق أثره في قلوب الناس.
قبل يومٍ واحدٍ من وفاته، كان يدعوهم للعشاء بصوتٍ جهوريٍّ يحمل المحبة والصدق،
يصرّ عليهم أن يلبّوا دعوته، وأن يشاركوه وليمة العشاء. لم يكن يعلم أن تلك الدعوة
ستكوي القلوب، وتحرق متابعيه حسرةً على رحيله.
ولا زلت في دهشةٍ مما حدث قبل الحادث ،
كأن كل ما جرى
كان فيلمًا طويلًا
بنهايةٍ لنا فيها دروس وعبر .
في آخر ساعاته،
سأله أحدهم: ما بك؟
فقال: *تذكّرتُ الدَّين الذي عليّ.
فكأن الله هو من سخّر صاحبه ليسأله،
ليُقضى دينه بعد رحيله بساعات ،
.فلقد هداه الله للنطق والإفصاح عن ذلك الدَّين،
ولم يكن يتخيّل أن يوم وفاته سيُبنى له مسجد ،
يكون له وقفًا بعد مماته.
وسُئل: ماذا تتمنى؟
فقال: *أتمنى ارض لم يمشي عليها أحدٌ من قبلي*.
قد تبدو عبارةً عفوية،
لكن المؤمن يشعر بدنوّ الأجل،
وما تلك اللحظات
إلا دروسٌ وعِبر
نتّعظ بها.
وعندما بلغنا خبر الحادث،رضينا بقضاء الله،
وآمنا بحكمته، وعلمنا أن الله اختار له
أن يرحل في أرضٍ طيبة، وأن يشهد الصلاة عليه
آلاف البشر الذين قدموا من كل مكان.
رحمك الله يا أبا مرداع،
وجعل ذكرك الطيب نورًا لا ينطفئ،
وأثرك شاهدًا لك لا عليك.



