كتاب واصل

هل تبقى الإنسانيه..حين تتكلم الألات؟

بقلم د.هند الصفيان

“الوحده حين تجد قلبا صوتيا.

خلال سنوات قليله تحول الذكاء الاصطناعي من اداة للبحث والكتابه الى رفيق يومي يتحدث معنا ويستمع لافكارنا ويشاركنا مشاعرنا.

بعض الشباب والفتيات اصبحوا ينادونه باسم بشري ويتعاملون معه كصديق حقيقي بل ان البعض تجاوز ذلك الى تعلق عاطفي واضح وكأن بينهم وبين هذه الانظمه علاقه انسانيه كامله.

الانسان حين يطيل الجلوس في وحدته يبحث بطبيعته عن اي صوت يمنحه الشعور بالحضور والاهتمام وحين يجده في تطبيق ذكي يشعر بان الفراغ بدا يمتليء.

لكن هذا الامتلاء يظل مؤقتا ومخادعا مهما بدا مريحا في البدايه.

الصوت الاصطناعي وتزييف الطمانينه.

المحادثات الصوتيه ترفع مستوى التعلق بشكل اكبر لان الصوت القريب والنبره الهادئه تعطي وهما بالحضور الانساني الحقيقي.

العقل الباطن يتعامل مع هذا الصوت كما لو كان شخصا حقيقيا وهنا يتحول الارتباط من مجرد محادثه رقميه الى شعور نفسي عميق.

علم النفس يصنف هذا النوع من العلاقه ضمن العلاقات شبه الاجتماعيه وهي علاقه من طرف واحد يشعر فيها الانسان بارتباط عاطفي مع كيان غير حقيقي.

هذه الطمانينه المزيفه لا تعلم الانسان كيف يواجه حياته الواقعيه بل تخدره عن مواجهتها.

العلاقه مع الاله وحدود الخطر النفسي.

في البدايه يبدو الامر مريحا لان الذكاء الاصطناعي يسمع في اي وقت ويمنح قبولا سريعا ويخفف ضغط المشاعر بشكل لحظي.

لكن مع الوقت يعزز الهروب من العلاقات الحقيقيه ويضعف المهارات الاجتماعيه ويجعل الشاب او المراهق اقل قدره على تقبل الرفض والاختلاف.

الدراسات تشير الى ان الاستخدام المفرط لهذا النوع من التفاعل قد يزيد من اعراض القلق والاكتئاب.

فبعد انتهاء المحادثه يعود المستخدم الى واقعه كما هو وربما يشعر بفجوه اكبر بين عالمه الحقيقي والعالم اللطيف داخل التطبيق.

الاسره امام زحف الرفيق الرقمي.

في مجتمعنا تظهر حساسيه اسريه واضحه حين يصبح اقرب شخص للشاب هو رفيق افتراضي وليس احد من اهله.

هذه الظاهره تعكس فجوه حوار داخل البيوت وتدل على حاجه ملحه لاعاده بناء التواصل الاسري بوعي ومسؤوليه.

الاسره اليوم مطالبه بان تكون مصدر الامان الاول لا ان يترك الابن يبحث عن هذا الامان في عالم رقمي بارد.

العلاقه مع كيان غير بشري لا تعلم الشاب حدود العلاقه السليمه ولا تبني لديه مسؤوليه شعوريه حقيقيه.

جانب اخر لا يقل خطوره يتمثل في خصوصيه البيانات.

كثير من الاسرار التي تطرح في هذه المحادثات لا تذهب الى فراغ بل تخزن في خوادم شركات وقد تستخدم لاحقا في اغراض تجاريه او تدريبيه دون وعي كامل من المستخدم.

وما زال هذا المجال يفتقر الى تنظيم واضح يحمي المستخدمين خصوصا فئه القاصرين.

الذكاء الاصطناعي يمكن ان يكون اداة مفيده في تنظيم الفكر والتخفيف المؤقت من الوحده وتوجيه المشاعر بشكل افضل اذا استخدم بوعي.

لكنه يتحول الى خطر حقيقي حين يصبح بديلا عن البشر ويتجاوز كونه اداه ليصبح رفيقا عاطفيا.

ختاما.

الذكاء الاصطناعي ليس عدوا لكنه ليس ايضا صديقا حقيقيا.

هو اداه ويبقى الانسان هو الانسان.

وحاجتنا للعلاقات البشريه الصادقه لا يعوضها اي صوت صناعي مهما بدا لطيفا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى