ماأنبل قطعة السكر…!
"في بساطة العطاء الصامت تكمن حكمة الحياة، وملح الواقع الذي يذيب قلوبنا أحيانًا في لحظات قصيرة لكنها مؤثرة

راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
ماأنبل قطعة السكر… أعطت الشاي كل ما لديها ثم اختفت. كلمات محمود درويش، الصغيرة في حجمها، الكبيرة في معناها، تحمل درسًا يوميًا عن العطاء والإخلاص، عن القلب الذي يعرف أن أسمى ما يمكن أن يُقدَّم لا يُوزَّع طلبًا للثناء أو انتظارًا للشكر، بل يُعطى بلا مقابل، كجزء من طبيعة الحياة وروعتها. هناك، في فنجان الشاي، تتجلى الإنسانية في أبسط صورها، حيث تمنح النفس بلا مقابل، ويصبح أثرها خالصًا، واضحًا لمن يعرف كيف يتذوقه.
الذين يمارسون العطاء في صمت، يعرفون أن الكون يراقب كل حركة. يقول الله تعالى: {وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. وهكذا يتحقق سرّ كل فعلٍ خيرٍ، صغير كان أم عظيمًا. القطعة التي ذابت في الشاي لم تنتظر شهادة البشر، لكنها وضعت بصمتها، وعلّمتنا أن أثر العطاء أحيانًا أهم من المقابل.
وفي تفاصيل الحياة اليومية، تظهر هذه الحقيقة بشكل رائع: شاب يساعد امرأة مسنة على عبور الشارع، أو أحدهم يشارك طعامه مع جائع بلا توقع مقابل، وتأتي المفاجأة في صورة خير غير متوقع. ففي قصة حديثة، قابلت فتاة شابة رجلًا غريبًا ساعدها في العثور على وظيفة كانت تغيّر مسار حياتها، بدون معرفة أو مصلحة، مجرد فعل صادق. وهنا يظهر القانون البسيط للحياة: من يزرع الخير في صمت، يحصد أثره بطرق قد لا يتوقعها.
القطعة التي ذابت وكأنها جسدت مقولة سقراط: “الحياة التي لا تُعطى، ليست حياة”. العطاء، حتى لو كان رمزًا بسيطًا، يمنح الروح امتدادًا إلى ما هو أسمى، يجعلك جزءًا من حكمة الواقع وإشراقه. وفي السخرية الواقعية للحياة، نجد عمقًا فلسفيًا: كل من يعطي بلا مقابل يكتشف أن أثره أقوى من أي إشادة، وأن السعادة الحقيقية ليست في الشهرة أو المال، بل في معرفة أن كل فعل صالح يُثمر أثرًا، مهما كان صغيرًا، ويصنع فرقًا في حياة الآخرين.
ويقول أفلاطون: “الروح التي تمنح بلا حدود، هي روح لا تموت”. ومن هنا نفهم أن كل لحظة عطاء صامت، مهما صغرت، تحمل بعدًا فلسفيًا وملحميًا، وتجعل القلب أكثر إشراقًا في مواجهة واقع الحياة، بين الفرح والخيبة، بين الصدق والمصطنع.
وفي النهاية، ما نراه في كل فنجان شاي، كل قطعة سكر، كل ابتسامة صادقة، وكل يد تمتد للآخر، هو انعكاس لجمال الحياة وصدقها، ولدرس بسيط لكنه خالد: العطاء الحقيقي هو أن تُعطي وتختفي، تاركًا أثرًا نقيًا، ملهمًا، ساخرًا، فلسفيًا، واجتماعيًا، وجزءًا من تجربتنا اليومية التي تصنع معنى لكل لحظة.
●ابتسم …فهناك من يحبك ..ويكتب لإجلك ..
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com


