كتاب واصل

صياغة ..التغيير !

“في لحظة صامتة، تدرك الروح أنها أمانة، وأن الله لطيف بعباده، حكيم في قضائه، لا يخذل من أقبل إليه بصدق القلب وصفاء النية.”

✒️ راضي غربي العنزي”كاتب سعودي”

يواجه الإنسان صعوبة نفسية كبيرة حين يُطالب بمواجهة ذاته. الاعتراف بالخطأ يبدو كالقفز في فراغ يختبر الثقة، وتقبّل التغيير يشبه السير في طريق يملؤه الغبار. كثير من الناس يفضلون الثبات على أوهامهم، يتشبثون بعاداتهم حتى لو كانت سبب تراجعهم، يقاومون الإصلاح ويعيقون من يسعى إليه، لأنهم يخافون من رؤية أنفسهم بوضوح. لكن لو وجّهوا طاقاتهم نحو البناء لا العناد، نحو التحسين لا التعطيل، لتبدلت أحوالهم، ولنالوا الخير الذي وعد الله به الصادقين في قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.

التغيير ليس فوضى، بل اختبار للوعي، وتطهير للنفس من الجمود. يقول سقراط: الحياة غير المُفحوصة لا تستحق العيش. الإنسان بلا مراجعةٍ لذاته كمن يسير بعيون مغمضة، يكرر أخطاءه ويظنها قدره. أما الذي يتأمل في نفسه بصدق، فيدرك أن إصلاحها عبادة لا تقل منزلة عن الصلاة، وأن الله يهيّئ له طريق الرشد حين يخلص نيته.

في داخل كل إنسان مقاومة غريزية للتغيير، لكنها ليست قدرًا لا يُكسر. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ. فالتغيير لا يحتاج ثورةً صاخبة، بل صدقًا هادئًا يثبت مع الأيام، وإيمانًا بأن الله يبدّل الحال لمن أراد القرب منه.

ذات يوم، قرر شاب يعيش حياةً عادية أن يتوقف عن الشكوى، وأن يبدأ التغيير من نفسه. بدأ بالصلاة في وقتها، وبتقليل جداله، وبالابتسام بدل التذمر. لم يتبدل العالم حوله في يوم واحد، لكنه شعر أن قلبه أصبح أهدأ، وأن رزقه صار أوسع، وأن الله يفتح له أبوابًا لم يكن يراها. كانت قصته درسًا في أن التغيير الصادق يبدأ من الداخل، وأن الله لا يخذل من نوى الإصلاح.

الفيلسوف الألماني نيتشه قال: ما لا يقتلك يجعلك أقوى. لكن المؤمن يدرك أن القوة ليست في النجاة وحدها، بل في الفهم الذي يمنحه الله لعبده حين يبتليه. فكل ألمٍ يحمل في جوفه رسالةً من الله تقول: اقترب، أصلح، تفكّر. وهكذا يتحول الصراع إلى عبادة، والمعاناة إلى طريق حكمة.

الفيلسوف الصيني لاوتزه قال: رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. خطوة واحدة نحو الاعتراف بالخطأ، خطوة نحو تطوير النفس، نحو التسامح، نحو طاعة الله في إصلاح ما بينك وبين خلقه. تلك الخطوات الصغيرة تصنع أعظم التحولات، وتغدو حياة الإنسان كشجرةٍ تمتد بجذورها عميقًا في الأرض لتقاوم الريح، وتثمر بظلالها على من حولها.

أما الفيلسوف الأمريكي رالف والدو إيمرسون فقال: الصدق مع النفس هو بداية كل حكمة. والصدق مع النفس ليس جلدًا ولا عتابًا، بل تجرّد من الوهم، ورؤية نقيّة لما يريد الله للعبد أن يكونه. فالذي يصدق مع نفسه، يصدق مع ربه، ويهتدي بتوفيقه. وفي الحديث الشريف: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة. فكل لحظة ندم هي نافذة نور، وكل توبةٍ مخلصة بداية طريق جديد.

مقاومة التغيير مرضٌ اجتماعي حين يُتخذ سلاحًا ضد الإصلاح. حين يسخر بعض الناس من المصلحين، فهم في الحقيقة يسخرون من أنفسهم، من قدراتهم التي أهملوها، ومن فرصهم التي دفنوها تحت الخوف والكسل. أما الذين آمنوا بالله وعرفوا لطفه، فيدركون أن التغيير سنة من سننه، وأن الله يريد لعباده الارتقاء لا الركود، وأن في السعي للإصلاح حُبًا لله، وثقةً بحكمته التي لا تُخطئ.

التغيير الحقيقي ليس زوبعة ولا شعارًا، بل رحلة عقلٍ وروحٍ يختبر فيها الإنسان إيمانه، ويسخر فيها من خوفه القديم، ويبتسم وهو يعيد بناء نفسه لبنةً لبنة، لأن الله وعده أن من أحسن عملاً فلن يُضيع أجره.

في النهاية، التغيير هو المغامرة الكبرى للإنسان في هذه الحياة، المغامرة التي تجعله يرى لطف الله ورعايته في كل تفصيل، وتجعله أكثر قربًا من الحقيقة التي خلق لأجلها. فكل من تجرأ على الإصلاح، مهما كان بسيطًا، شارك في معجزة الإحياء الداخلي، تلك المعجزة التي يهبها الله لعباده المخلصين ليعيدوا اكتشاف أنفسهم من جديد.

● ابتسم الآن… فهذه الكلمات كُتبت لتضيء قلبك، وتذكّرك أن الله معك، وأن كل محاولة صادقة نحو التغيير محفوظة في علمه، مثمرة بقدرته، مباركة بتدبيره.

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى