كتاب واصل

” تشتاق إلى نفسك القديمة “

Longing for Your Old Self

بقلم : راضي غربي العنزي _ كاتب سعودي

الشعور الأغرب في هذه الحياة أن تشتاق إلى نفسك القديمة، تلك النسخة التي كانت تضحك بلا خوف، وتثق بلا حساب، وتغفو دون أن تضع رأسها على وسادة القلق.
تشتاق لروح كانت تظن أن كل ضربة لطف من قسوة الحياة تجربة عابرة لا تحتاج إلى درس عميق.
لكن السؤال الحقيقي: هل كانت تلك النسخة أفضل؟ أم أن الحاضر صار مزدحماً بما يجعل الماضي يبدو مثالياً؟

أحياناً لا نشتاق لأنفسنا القديمة بقدر ما نهرب من الأثقال التي التصقت بنا في الطريق، من الدهشة الأولى إلى الحكمة الأخيرة.
نتعلق بصورة داخلية لم تُهزم بعد، ولم تخسر أحداً، ولم تدرك أن التعافي أصعب من الألم ذاته.

قال تعالى:
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
سورة البقرة – الآية 216

وقال رسول الله ﷺ:
“احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز”
رواه مسلم

هذه الحقائق تكشف لنا أن استمرارنا في التغيير ليس سقوطاً بل صعود صامت لا يشعر به الآخرون.
نتغير لأن القلوب التي تثبت على سذاجتها تُكسر سريعاً، ولأن الأرواح التي لا تنضج تتعب من كل شيء، ولأننا تعلمنا أن الثقة ليست واجباً على القلب، بل حق يمنحه حين يطمئن.

قال سقراط:
“الحياة غير المختبرة لا تستحق أن تُعاش”

وقال أفلاطون:
“أقوى الناس من يستطيع أن يقف مع نفسه بعد السقوط”
(أفلاطون – من محاوراته الفلسفية)

وليس من الصدفة أن يقترن السقوط بالنهوض دائماً في قواميس النجاح.

نحن لم نتغير صدفة، تغيرنا لأننا نجونا مرة تلو أخرى.
ولأن الحياة ليست درساً واحداً، بل سلسلة امتحانات ترفعنا أو تعيد تشكيلنا كلما أردنا الاكتفاء بنسخة غير مكتملة من أنفسنا.
لهذا السبب، حين ننظر إلى أنفسنا القديمة، نبتسم بحنين، لكننا ندرك أنها لن تصمد في معارك اليوم.

قصة من الواقع
شاب خسر وظيفته وبقي طويلاً يظن أنه انتهى.
لكنه قرر أن يعود لهواية كان يحبها — إعداد القهوة.
افتتح ركناً بسيطاً بآلة عادية، واليوم أصبحت سلسلة مقاهٍ يقصدها الناس.
قال للصحافة: افتقد نفسي القديمة، لكنها لو بقيت لما وصلت هنا.
وهكذا نفهم أن السقوط لم يكن عقوبة، بل دفعة نحو الطريق الصحيح.

كل جرح سابق صنع فيك بصيرة، وكل خيبة زرعت فيك مناعة، وكل وداع فتح لك باب لقاء جديد، وكل باب أُغلق في وجهك وسّع رحابة مستقبلك.
أنت اليوم أقوى وأكثر فهماً لنفسك، تميّز من يستحق أن يدخل قلبك ومن يستحق فقط أن تبتسم له وتمضي.

نشتاق لنفس خفيفة الظل على الحياة، ولكننا لا نريد أن نعود كما كنا، لأن ما اكتسبناه من حكمة لا يُشترى، وما تعلمناه من صبر لا يضيع، وما وصلنا إليه من نضج يجعلنا نعترف بأننا اليوم أجمل من أي يوم مضى.

لا تبحث عن الماضي ليعيدك لنقطة البدء، بل ابحث عن نفسك الجديدة التي تشكّلت من شظايا كثيرة وصارت لوحة متينة تستحق أن تُعرض بفخر.
وذات يوم ستلتفت إلى الوراء وتقول لنفسك القديمة: شكراً لأنك كنت البداية فقط، أما الحكاية فكانت تنتظرني في الطريق.

●… أنت اليوم … أجمل ..!!
اطمئن، ما كُتب لك لن يفوتك، وما فاتك لم يكن مناسباً لك، وما ينتظرك أجمل مما تظن ما دمت تستمر ولا تيأس.
فالحياة تكافئ الذين يتقدمون ولو بخطوات بطيئة، ما دام قلبهم معلّقاً بالله رجاء.
وإن اشتقت لنفسك القديمة، فهذا يعني أنك عشت بصدق، وأحببت بصدق، وخسرت بصدق، لكن الأهم أنك نهضت من جديد.

● ابتسم الآن… لأنك ما زلت تقف

●وأبتسم أيضا أكثر .. لأن هناك من يحبك ويكتب لأجلك ..ولتضئ !

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438

Radi1444@hotmail.com
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى