ستخرج… ولو من ثقب إبرة!
بقلم/ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
بقدر ما أرهقك الشعور، بقدر ما أطبق عليك الليل، وبقدر ما ضاقت أنفاسك حتى خِلت أن صدرك غرفة مظلمة بلا نوافذ… هناك، في أقصى نقطة من وجعك، يتهيأ لك وعد الله: “سيخرجك الله منه”.
إن رحمة الله ليست بابًا يُطرق، بل سماء تُفتح. قد يضيق عليك الدرب حتى يصبح أضيق من ثقب إبرة، ومع ذلك… ستنجو. لأن الله إذا أراد، مدّ لك طريقًا في وسط العتمة، وصنع لك من بين الصخور جدولاً رقراقًا، وبعث في روحك يقينًا أعظم من كل خوفك.
وهنا يتجلّى السر الأعظم في كتاب الله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا • إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5-6].
تأمل… عرّف العُسر بالألف واللام ليكون واحدًا بعينه، بينما نكّر اليسر مرتين ليصير يسريْن اثنين. أي أن العسر مهما عظم، لن يقف أمام فيض من اليسر يتدفق من جهتين! إنها معادلة ربانية قاطعة: لا يقف عسر واحد في وجه يسرين اثنين.
كل شعور أثقل قلبك ليس إلا امتحانًا ليخرج الله منه قلبًا أصلب، وروحًا أصفى، ونفسًا أرقّ. وما ظننته انكسارًا ما هو إلا إعادة تشكيلك من جديد، لتصير أوسع من حدود حزنك، وأعمق من ضيقك، وأقرب مما كنت يومًا إلى الله.
أيها المرهق… لا تستسلم لذلك الثقل الجاثم، فما دام الله معك، فإن النهاية لن تكون إلا نجاة. سيأتي يوم تلتفت فيه إلى الوراء، فتبتسم ساخرًا من تلك اللحظة التي ظننت أنها آخر أنفاسك. سيأتي يوم تدرك فيه أن الذي أرهقك كان جسرًا للرحمة، وأن الذي أحاطك كظلام دامس، كان في الحقيقة نورًا يتجمع ليُبهر بصرك عند الفجر.
وتذكر قول النبي ﷺ: “واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا”.
الله لا يترك من دعاه. ولا يخيّب من رجاه. قد تتأخر الإجابة قليلاً، لكن النجاة مضمونة. قد تبكي الليالي، لكن الضحكة محفوظة لك في الغد. وقد تضيق عليك الأرض بما رحبت، لكن سماء الله أوسع من كل قيد، وأرحب من كل ألم.
فتمسّك… حتى لو كان أملك خيطًا رفيعًا. خذ بيدك هذا الخيط، فإنه موصول بالعرش. وإن بدا ضيقًا كالثقب، فالله قادر أن يجعله نافذة لعالم جديد.
اطمئن… ستنجو.