كتاب واصل

نَثَرَ الجوُّ على الأرْضِ بَرَدْ !

بقلم / ماجد الغامدي

ما إن تتسلسل الغيماتُ من أطرافِ الأفق ، حتى تنعقدَ في القلبِ مواعيدٌ قديمةٌ مع الفرح ، فما أن (يُغني الغمام ويتهلل المزن هتان) كما يقول إبراهيم العواجي، إلا وتورقُ فصولُ الروحِ و تزهرُ أغصانُ الفؤاد ، فللمطرِ في الوجدانِ مكانةٌ لا تزول؛ يوقظُ فينا إحساسَ الصفاء والمحبة والبُشرى، ويذكّرنا بعظيم النعم حين تعود الأرض إلى الحياة ويتنفس الثرى أولَ قطرة.

تتسارعُ نبضاتُ الفرح وتتباطأ اللحظات و كأنها تستعدُ للإحتفاء ؛ تتسابقُ العيون وتترقبُ أن “يغني الغمام ” لتسمعَ ترانيم الفرح عياناً موسيقى بعيدةً لوقعِ المطر الذي يلامسُ النفوسَ بقطراتِه الأولى، فتشعر أن شيئًا من الطمأنينة عاد إلى مكانه؛ فتتعانق الأحاديثُ في البيوت، وتزدهرُ الابتهالات وهي ترى سحائب الرحمة ترسمُ ملامحَ البهجة على سفوحِ الرجاء.

يغتسلُ الثرى و تتبدّل هيئة الأرض و تتمايلُ الأغصانُ و تزهرُ القلوبُ وتتمازجُ الصورة : سعةُ السماء، ونضارةُ الأرض، وانشراح الأسارير تشاركُ الطبيعةَ وُضوءَها الجديد وتغسلُ وعثاءَ الجدب وكآبةَ الغياب ، إذ يعيدُ خريرُ الماءِ ترتيبَ ضوضاءِ المكان و يكتبُ إعلاناً معقوداً بالفرح (صوت المطر كنّه تعاتيب خِلاّن!) كما يقول الأمير بدر بن عبد المحسن ، يوقظُ في القرى والمدن شعورًا بالانتصار على الغياب فتلوحُ على الوجوه ملامحُ راحةٍ ممتدة تغيرُ رتبةَ المزاج فيورق الغصنُ ويرفرفُ العندليب (رفرف الغصن واورق عندليبه !) كما يقول فهد عافت ، فقد تهمد الروح ويعلو القلبَ غبارُ الأيام فينزلُ المطرُ و يعُمُ معه الصفاء، وتهتزُ النفوسُ بالحياة أملاً ، وتربو بالرجاء ايتهاجاً ، و تنبتُ في حناياها محبةً وأملا تشاركُ الأرضَ بهجتَها ونماءَها .

رحم الله الشاعر الأندلسي ابن حمديس الأزدي حين قال :

نثرَ الجوُّ على الأرضِ برَد

أيُّ دُرٍّ لنحورٍ لو جَمَد !

لؤلؤٌ أصدافُه السحْبُ التي

أنجزَ البارقُ منها ما وَعد

@majed_abushams

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى