الستر… الغائب الأشد حضورًا….!!
"الصمت هنا ليس ضعفًا… بل قفزة أخلاقية أعلى من ضجيج العالم."

راضي غربي العنزي — “كاتب سعودي”
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره به».
هذه العبارة لا تُقرأ، بل تُواجه. ليست جملة وعظية، بل حدٌّ فاصل بين أخلاق تصنع إنسانًا، وأخلاق تصنع مشهدًا. هنا يقف الستر شامخًا، لا كفضيلة ناعمة، بل كقوة صلبة تقف في وجه شهية التشهير.
إذا وصلتك فضيحة لأحد، فاجعلها تقف عندك.
ليس لأنك أطهر، ولا لأنك منزّه، بل لأنك تعرف الحقيقة الثقيلة: كلنا نحمل ما نخجل منه، وكلنا نعيش على حافة انكشافٍ لو تمّ، لتبددت صورنا الجميلة أمام أنفسنا قبل الناس. الستر ليس ترفًا أخلاقيًا، بل ضرورة وجودية في عالم يقتات على سقوط الآخرين.
الله جل جلاله يقول:
«وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».
والدفع بالأحسن هنا ليس مجاملة، بل شجاعة. أن تختار الإمساك بلسانك حين يكون الكلام سهلًا، وأن تُحكِم إغلاق باب الفضيحة حين يكون فتحه مغريًا. هذا مقام لا يبلغه إلا من رَبَح معركته مع نفسه.
الفلاسفة فهموا هذا مبكرًا. أرسطو لمح إلى أن الفضيلة لا تعيش في الضوء الصاخب، بل في المناطق التي لا تتسلل إليها العيون. وأفلاطون أدرك أن المجتمعات لا تنهار بسبب الأخطاء، بل بسبب تحويل الأخطاء إلى مشانق عامة. أما سينيكا، الفيلسوف الروماني الرواقي، فقد كان أكثر قسوة حين أشار إلى أن من يفضح غيره إنما يبحث عن وهم تفوق، لأنه عاجز عن مواجهة هشاشته الخاصة.
في زمننا هذا، لم تعد الفضائح تسقط صدفة، بل تُصنع صناعة. هاتف صغير يكفي، رسالة عابرة، مقطع مبتور، لتُشنق سمعة، ويُغتال تاريخ، وتُمحى إنسانية. السخرية القاسية أن أكثر من يلوّح بسكين الفضيحة، لو فُتحت دفاتره، لطلب الستر لا العدالة.
سقط إنسان في خطأ علني، وظن أن حياته انتهت، وأن اسمه صار مادةً للتداول والضحك. لكن شخصًا واحدًا فقط قرر أن يصمت. لم يبرر، ولم يدافع، ولم ينشر. اختار الستر. بعد سنوات، عاد ذلك الإنسان واقفًا، نافعًا، متوازنًا، لأن الصمت في لحظة واحدة أنقذ عمرًا كاملًا. هكذا يعمل الستر: لا يلمع، لكنه يُنقذ.
قال النبي ﷺ: «من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة».
الحديث لا يزين الصمت، بل يرفعه إلى مقام العبادة. يجعل الستر فعلًا له وزن عند الله، وأثر في المصير، ومكانة لا ينالها من اعتاد الاصطياد في الماء العكر.
الملحمة الحقيقية لا تُكتب بالمنشورات، بل بالمواقف. لا يصنعها من يصرخ، بل من يملك نفسه حين تتوهج الفضيحة. القوة ليست في كشف المستور، بل في القدرة على حمله دون أن تتحول إلى جلاد. والسخرية الذكية ليست في الضحك على سقوط الآخرين، بل في فهم عبث هذا السقوط الجماعي.
الستر موقف حاد. والصمت قرار شجاع.
ومن يختار الستر في زمن الفضائح، لا يمشي مع القطيع، بل يسبقهم بخطوة أخلاقية لا تُرى… لكنها تُوزن.
هذه ليست دعوة للمثالية، بل للعقل.
ليست دفاعًا عن الخطأ، بل دفاعًا عن الإنسان.
فالذي يعرف قيمة الستر، يعرف معنى القوة، ويعرف أن بعض المعارك تُربح حين لا تُخاض، وأن أعظم الانتصارات هي تلك التي لا يراها أحد… إلا الله.
●ابتسم الآن …فأنا أكتب لأجلك ….وأنشر الضوء ..!!
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com



