الناجون … من أنفسهم ..!!
"حين لا يبقى شيء يُمسكك، تكتشف أن الله وحده كان يمسكك منذ البداية."

✒️راضي غربي العنزي | كاتب رأي – وصانع محتوى |
ليست كل السقوطات هزائم، بعضُها إعادة ضبطٍ قاسية للروح.
وليس كل النهوض بطولة، أحيانًا هو مجرّد نجاة مؤجلة.
في لحظة ما، يصل الإنسان إلى حافةٍ لا يعود بعدها كما كان؛ حافة يُجبر فيها على أن يرى نفسه بلا أقنعة، وبلا أعذار، وبلا جمهور يصفّق أو يواسي. هناك، تحديدًا هناك، إمّا أن ينهار بالكامل… أو يولد من جديد.
نحن لا نتغيّر لأننا نريد، بل لأننا أُجبرنا. المواقف التي كسرتنا لم تكن صدفة، والعلاقات التي خيّبتنا لم تكن خطأ في الحساب فقط، بل كانت دروسًا مكتوبة بلغة الألم، لأن اللغة الناعمة لا توقظ أحدًا. في تلك اللحظة الفاصلة، نفهم أن الحياة لا تُدار بالعاطفة وحدها، ولا تُحمى بالنية الطيبة، وأن القلب إن لم يتعلّم متى يتقدّم ومتى ينسحب، سيتحوّل إلى ساحة خسائر مفتوحة.
تتساقط الأوهام أولًا.
وهم أن كل من اقترب صادق، وأن كل من ابتسم نقي، وأن من قال “أنا معك” سيبقى. نكتشف أن بعض العلاقات كانت اختبار صبر لا علاقة حب، وأن بعض القرب كان استنزافًا مقنّعًا، وأن الكرامة ليست كلمة تُقال في الخطب، بل قرار يُتخذ حين يكون الثمن غاليًا.
نتعلّم — متأخرين لكن بعمق — أن الحب لا يُنتزع بالقوة، وأن الاهتمام لا يُستجدى، وأن من يراك عبئًا مرة، سيراك عبئًا كل مرة. هنا تحديدًا، يبدأ التحوّل الحقيقي: حين نختار أنفسنا بلا ضجيج، ونغادر بلا مسرحية، ونصمت لأن الصمت صار أصدق من ألف تفسير.
وحين يدخل الله في قلب هذا الوعي، لا يعود الألم عبثيًا.
الله الواحد الأحد، الكامل في حكمته، المنزّه عن الظلم والعبث، لا يجرّب عباده ليكسرهم، بل ليخلّصهم. توحيده ليس ملجأً أخيرًا بعد الخسارات، بل حقيقة كبرى: أن ما لم يكتبه الله لك، لن تأخذه ولو احترق قلبك، وما كتبه لك، سيأتيك ولو سرت إليه حافيًا.
﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾
آية لا تواسيك فقط، بل تعيد تعريف الصبر؛ ليس تحمّلًا أعمى، بل اعتمادًا كاملًا على الله لا على قوة النفس.
وقال النبي ﷺ:
«إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»
حديث يُفهم خطأً أحيانًا، لكنه في عمقه صفعة أخلاقية: من فقد بوصلته الداخلية، سيفعل أي شيء، ومن حفظ حياءه مع الله، استقام ولو تعثّر.
الحكماء عبر العصور فهموا هذا قبل أن تُسمّى التنمية البشرية تنمية. سينيكا الروماني كان يرى أن الشدائد لا تخلق الألم بل تكشفه، وأن النفوس الهشّة فقط هي التي تتكسر، أما العميقة فتتشكل. أرسطو لم يؤمن بالأخلاق الخطابية، بل بالسلوك المتكرر؛ الفضيلة عنده ليست فكرة جميلة، بل عادة شاقة. وعلي بن أبي طالب-كرم الله وجهه- ورضي الله عنه قال ما يشبه الخلاصة: “من أصلح سريرته أصلح الله علانيته”، وكأنها معادلة كونية لا تخطئ.
ومن الزمن الجميل، لا من زمن السرعة، قصة رجل كان يُعرف في الحي بلقب “الأمين”. لا شهادات، لا منصات، لا ضجيج. خسر ماله في تجارة فاسدة، وعُرض عليه أن يعوّض خسارته بطريق ملتوية. قال بهدوء: “الله أوسع من الحيلة.” مضت سنوات وهو يعمل بصمت، حتى صار اسمه وحده ضمانًا. لم يصبح أسطورة، بل صار مثالًا. وهنا الفرق: الأساطير تُحكى، أما القيم فتبقى.
نضحك اليوم — بسخرية ناضجة — على ذواتنا القديمة. كنا نعتقد أن كثرة العلاقات تعني قوة، وأن التنازل ذكاء، وأن الصبر بلا حدود فضيلة. ثم تعلّمنا أن بعض الصبر إهانة للنفس، وأن بعض الانسحاب شجاعة، وأن السلام الداخلي لا يأتي من الخارج مهما ازدحم.
ويبقى الله حاضرًا في كل هذا، لا كفكرة تجريدية، بل كحقيقة ثقيلة الوزن. هو الذي يُمسك القلب حين يتصدّع، ويمنح الفهم حين ينتهي الصراخ، ويحفظ من اختار الصدق ولو خسر مؤقتًا. تنزيهه ليس تنظيرًا، بل يقين بأن حكمته أعدل من مشاعرنا، وأن لطفه أعمق من فهمنا.
● قبل الختام ……..
في النهاية، لا نخرج من التجارب كما دخلناها.
نخرج أقل سذاجة، أكثر صدقًا، أخفّ تعلقًا بالبشر، وأعمق اتصالًا بالله. النهوض ليس إنكارًا لما حدث، بل اعترافًا واعيًا به ثم تجاوزه. نقوم لأن البقاء على الأرض خيار، لكن الوقوف بكرامة عبادة.
إمّا أن تسقط في الهاوية متشبثًا بما يؤذيك،
أو تتلألأ في كبد السماء بعدما تخلّيت عمّا لم يكن لك.
ومن كان الله معه،
لا يسقط…
وإن تأرجح طويلًا.
● ابتسم الآن …فأنا أكتب لأجلك ….ولتضئ.!
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●
Radi1444@hotmail.com



