
“✍️” فهد الرياحي
” من هنا… تبدأ الحياة الحقيقية “
القرآن والسنة والنصوص الشرعية والتجارب الإنسانية تؤكد أن الحياة الحقيقية ليست فيما نراه من مظاهر دنيوية من مالٍ أو منصبٍ أو زينة، بل في حياة القلب حين يقترب الإنسان من الله تعالى ..
فالمؤمن يجد قيمة الحياة الحقيقية عندما يعود إلى ربه بقلبٍ منكسر، ونفسٍ صادقة، وإرادة تبحث عن الطمأنينة لا عن المظاهر الفانية.
حياتنا الحقيقية تبدأ من تلك اللحظة التي ينكسر فيها القلب بين يدي الله.كل سجدة صادقة، وكل خطوة طاعة… هي بداية جديدة للحياة .
أعظم لحظات الحياة هي تلك التي يأنس فيها القلب بذكر الله، ويجد روحه تروي ظمأها بالقرب منه، كما يرتوي الظمآن من الماء، وكما يعود المغترب إلى وطنه بعد طول غياب.
الحياة الحقيقية ليست حياة أجساد تتحرك… بل حياة قلوب تحيا.. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ فما يحيي الإنسان حقاً هو الإيمان، لا المظاهر الزائلة .
وجاء في الحديث الشريف : قال رسول الله ﷺ:
«لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» وهذا دليل واضح على حقارة الدنيا عند الله، وأن قيمتها ليست في حجمها، بل في ابتلاء الإنسان بها.
الطاعة… بوابة السعادة : كل طريق يُسلك بعيداً عن طاعة الله طريقٌ مظلم، مهما ازدانت ألفاظه أو لمع ظاهره.
ومن ظن أن سعادته تُصنع بالأموال والمناصب فقد ضلّ الباب الحقيقي للطمأنينة.
قال النبي ﷺ: «تعِسَ عبدُ الدِّينارِ، وتعِسَ عبدُ الدِّرهمِ»
فالمتعلّق بالدنيا عبد لها… وإن ظن نفسه حراً.
وقال ابن القيم رحمه الله : “في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه فاقة لا يسدّها إلا محبته.”
يمضي كثيرون أعمارهم خلف الإنجاز والمال، بحثاً عن شعور لم يجدوه . إلى أن تأتي لحظة صادقة… لحظة هدوء تُفتح فيها نافذة للحق . دخل أحدهم مسجداً صغيراً، هارباً من ضجيج يومه. ارتفعت تلاوة القرآن في المكان… فتوقّف داخله فجأة. سأل نفسه لأول مرة :هل ما أعيشه في الدنيا ومشغلني هل يُقرّبني من الله أم يبعدني ؟
كانت تلك اللحظة بداية حياة جديدة. خطوات بسيطة : صلاة بخشوع، ذكر يومي، صلة رحم … ومع كل خطوة كان يشعر أن حملاً يُرفع عن كتفيه . هناك أدرك أن الحياة الحقيقية تُمنح للقلب قبل أن تُمنح للدنيا.
القرب من الله… بداية إصلاح شامل حين يقترب العبد من الله تتغيّر رؤيته للدنيا : تصغر الأوجاع، وتنكشف الأولويات، ويثبت القلب مهما اضطربت الحياة. فمن سكن الله قلبه لم تزعزعه المصائب، ولم تربكه الكلمات، ولم يُسقطه البلاء.
الخاتمة… الطريق يبدأ منك : لن يُسأل أحد يوم القيامة: كم جمع من مال؟ ولا إلى أي منصب وصل ..؟
بل سيسأل عن قلبٍ: هل عرف ربّه ..؟
وعن نفسٍ: هل قاومت هواها ..؟
وعن خطواتٍ : هل مشت إلى الله أم إلى غيره ..؟
إن أردت حياة لا تطويها الدنيا، وطمأنينة لا تبتلعها المصائب… فابدأ من سجدة، واستقم على طاعة، واغلق باباً تعلم أنه باب معصية. واعلم أن الله إذا أكرم عبداً أيقظه، وقربه، وأعانه، ولا يرد سائلاً جاءه بقلبٍ منكسر مهما أثقلته الذنوب.
فعد إليه… فمن ” هنا تبدأ الحياة .


