✍️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
في زمنٍ امتلأ بالحدة، وصار الصوت الأعلى هو الأكثر حضورًا، تبهرك فئة نادرة من الناس… أولئك الذين ما زالوا يؤمنون أن اللين قوة، وأن الطيبة ليست ضعفًا بل شكل راقٍ من أشكال الوعي.
الحنون لا يرفع جدارًا بينه وبينك، بل يفتح لك نافذة. يمشي في الحياة بخفة من يعرف أن كل قلب مكسور خلفه حكاية، وكل إنسانٍ غاضب في داخله وجع لم يُفهم. هؤلاء الطيبون هم ملح الأرض، من دونهم تفقد الأشياء معناها، وتتحول العلاقات إلى صفقات باردة.
قال الله تعالى:
> “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ”
[آل عمران: 159]
الآية لا تتحدث عن أسلوبٍ اجتماعي، بل عن فلسفة حياة: أن اللين هو ما يجمع الناس حولك، وأن القسوة لا تُنتج إلا الفراغ.
وفي الحديث الشريف قال ﷺ:
> “ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه.”
تأملها قليلًا… كأنها دستورٌ إنسانيّ يُلخّص العلاقات كلها. فالرفق لا يجمّل الأشياء فحسب، بل يُعيدها إلى أصلها الطيب.
الناس اليوم يفتقدون إلى لمسة رحمة أكثر من أي وقتٍ مضى. نرى أجسادًا تمشي، لكنها مثقلة بالتعب، باردة بالكلمات، خاوية من الأمان. والحنون، ذلك الذي يربت على قلبك قبل أن يمد يده، هو الذي يعيد لك الإحساس بأن هذا العالم ما زال يسكنه بشر.
يقول المثل العربي: “القلوب إذا ارتاحت… نطقت بالحب حتى في الصمت.”
ويقول آخر: “اللطف طريقٌ مختصر إلى قلوب الناس، لا يضلّ سالكه أبدًا.”
نحن بحاجة إلى هؤلاء الذين يُسكّنون الألم بالكلمة، لا بالعتاب، الذين يرون ضعفك ولا يفضحونه، بل يسترونه بإنسانيتهم. إنهم الذين حين تمرّ بهم، تشعر أن الله أرسلهم لك دون سببٍ ظاهر، فقط ليقول: “ما زلتُ أراك، وما زلتُ أحنو عليك.”
لقد علّمتني الحياة أن القوة ليست في الصراخ، بل في الهدوء الذي يلي العاصفة. وأن من يملك قلبًا رحيمًا في عالمٍ مليءٍ بالخشونة… هو بطلٌ متخفٍّ، لا يحمل سيفًا، بل يحمل قلبًا.
تمسّكوا بهذا النوع من البشر كما يُمسك العطشان بآخر جرعة ماء. لا تفرّطوا فيهم، ولا تظنوا أن وجودهم أمرٌ عادي، فهم من يُرمّمون العالم كل يوم دون أن يشعروا.
وفي نهاية المطاف…
ليس العالم بحاجة إلى مزيدٍ من الأذكياء، بل إلى مزيدٍ من القلوب التي تتذكّر أن الإنسان خُلق ليَرحم قبل أن يُحكَم.
> “في النهاية، سيبقى اللطف هو أعظم شكلٍ من أشكال الذكاء الإنساني.”
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
_____________________________________________
Radi1444@hotmail.com