نهاية قبل أن تبدأ…! “An End Before It Begins…!”
“وحين يكتب الله لك الطريق… تتولى رحمته حملك قبل خطواتك.”

✒ راضي غربي العنزي — كاتب سعودي
ستكتشف، بعد عمرٍ من الاحتكاك بالبشر، أن الذين يبدأون هم الذين امتلأت صدورهم بالله، وأن الذين يتقدّمون هم الذين لم يُصابوا بعدوى الارتباك الاجتماعي، وأن المبادرة هي لغة القادة لا الفارغين. وحده القائد يبدأ… لأنه لا يفاوض خوفه، ولا ينتظر أن يصفّق له أحد، ولا يحتاج مشهداً تمهيدياً ليُثبت لنفسه أنه قادر.
أما العامة؟
فهؤلاء فصلٌ ساخر في كتاب البشرية. يرفع الواحد منهم صوته كأنه يملك العالم، فإذا طلبت منه البدء، رأيت الارتباك يسيل من جبينه وكأنه طُلب منه أن يحمل الأرض على كتفه. يمتلئون ضجيجاً… ويفرغون عند أول امتحان صغير. يتحدثون عن الشجاعة كما يتحدث الناس عن الطقس: كثير من الكلام… قليل من التطبيق.
وفي وسط هذا المسرح الذي يُضحك العقلاء، يظلّ الله هو العالم بالسرائر، يرفع من يشاء بصدق نيّته، ولو سقط في عين البشر. وهنا يتجلّى قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾؛ فالهون ليس ضعفاً، بل قوة مطمئنة لا تحتاج جيوشاً من الكلمات.
وروى النبي ﷺ قاعدةً تصنع الفارق بين من يبدأ ومن يتراجع:
“المؤمن القوي خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير.”
والقوة هنا قوة قلب، قوة يقين، قوة رجل يعرف أن البداية لله… والنهاية إليه.
ولأن الفرق بين القائد وغيره لا يُفهم إلا بالفعل، جاءت قصة حديثة تبقى شاهداً:
موظف بسيط ظُلم من رئيسه ظلماً بيناً، فكان بوسعه أن يثور أو يشتكي أو يغادر، لكنه جاء في اليوم التالي يحمل للرئيس كوب قهوة، ووضعه أمامه قائلاً بهدوء: “أسأل الله أن يُصلح لك يومك.”
تبدّل قلب الرئيس، وذاب غلاف القسوة، وتحول الرجل من متسلّط إلى مدافع عنه. وعندما سُئل الموظف عن سر فعله، قال: “من يبدأ لله… يكفيه الله.”
وهكذا، تمضي الحياة لتُثبت أن القائد لا يُعرَف من العربيات التي يتقنها، بل من الخطوة الأولى التي يضعها بثقة، دون أن يشرحها لأحد. وهكذا قال ماركوس أوريليوس: “ارفع قوتك… لا صوتك.” كأنه يرى زماننا، حيث يرفع الناس أصواتهم كي يغطّوا على خوائهم، بينما القادة يرفعون أفعالهم حتى قبل أن يلتفت إليهم أحد.
الذين يبدأون هم الذين يحملون نور التواضع لا ضباب التكبر؛ الذين يعرفون أن الله إذا كتب للقلب طريقاً، فلن يضلّه كثرة الأصوات حوله. يمشون بثقةٍ تُربك أهل المظاهر، وتُضحك أهل التجارب، وتُبهر كل من عرف أن الجذع المتواضع قد يصبح شجرة تهزم غابة كاملة.
أما الذين ينتظرون أن يدفعهم أحد، أو يفسح لهم الطريق، أو يصفّق لهم الجمهور قبل أن يخطوا خطوة… فسيظلون عالقين في الصفوف الخلفية؛ لأن الخطوة الأولى تحتاج قلباً لا يحتاج إذناً من أحد.
تقدّم ولو خذلك الناس.
ابدأ ولو سخِروا.
توكل ولو انسحبوا.
فالله لا يترك خطوة خالصة له بلا نور، ولا يجعل قلباً صادقاً يمشي بلا رفع.
وفي النهاية…
يبقى المشهد واضحاً مهما تغيّرت الفصول:
القادة يبدأون دائماً… والبقية يتفرجون دائماً.
●ابتسم الآن …فهناك من يحبك ..ويكتب لك ..وليضئ الدروب….
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com


