أوجاع تعمل كالمطر….! “Pains that strike like rain…!”
– في قلب الفوضى… يصنع الله نظامًا لا يراه إلا من انكسر ثم قا –

✒️ راضي غربي العنزي”كاتب سعودي”
حين تضيق الحياة على الإنسان حتى يشعر أن الأرض انكمشت تحت قدميه، يتدخل الله بطريقة لا تشبه تدخلات البشر؛ هادئة كالماء، عميقة كالحكمة، قادرة على قلب المشهد كله بلمحة واحدة. في اللحظة التي يتشقق فيها القلب، لا ليموت، بل ليخرج منه ما أثقل روحه، يبدأ الوجع في أداء دوره الحقيقي: تشكيلك من جديد.
فهناك أوجاع لا تهدف لكسرنا، بل لصقلنا. أوجاع تعمل كالمطر… تهدم سطوحًا لتغسل أرواحًا. وما بين جرح يضيق به صدرك، ولحظة فرج تنتظرها منذ زمن، يولد الإنسان الجديد الذي لا يعرف الاستسلام، لأنه ذاق ما يكفي ليعرف أن النجاة لا تصنعها قوته، بل ما يرسله الله في الطريق من إشارات ومعابر. هذه ليست بداية مقال؛ هذه بداية اشتعال… وبداية وعي… وبداية إنسان تعلّم أن يقف رغم كل شيء.
إن الإنسان في أعماقه يبحث عن يقين، عن معنى يبرر كل ما عاشه، وعن لحظة يضع يده على صدره ويقول: هكذا أراد الله بي خيرًا. ولذا قال تعالى:
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
آية تعيد الإنسان إلى حقيقة ثابتة: أن الله وحده يعلم، وأن ما يراه الإنسان اليوم فوضى، هو ترتيب دقيق يكتشفه قلبه لاحقًا.
وهنا يتجلى معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
«واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك»
ليس مجرد عزاء، بل فلسفة حياة تضع نهاية للشك وطمأنينة للروح. كل منع فيه لطف، وكل تأخير فيه حفظ، وكل ألم فيه درس لا تعرفه العيون إلا بعد أن ينضج القلب.
أتذكر الشاب الذي كان يحمل هموم العمل والديون ومسؤوليات تكاد تلتهمه. بدا أنه يعيش على باب لا ينفتح. وبعد أسابيع، دخل المستشفى من شدة الإرهاق. وفي الأسبوع الذي اضطر فيه أن يجلس بلا عمل ولا ضغط، اكتشف نفسه. عاد يتحدث مع أهله، نام جيدًا، وصار يشعر أنه إنسان لا آلة. واتخذ قرارًا شجاعًا وترك عمله القديم الذي طحن روحه. وهكذا يتدخل الله دون ضوضاء، يغيّر مسارًا كاملًا بحدث يبدو لنا كارثة.
وقد كتب جلال الدين الرومي: “لا تنكسر من أجل ما ذهب، فربما ذهب ليُفسح مكانًا لما سيأتي.” كلمات تشبه المطر حين ينزل على أرض صلبة، فيكسوها ليونة بعد قسوة طويلة.
لو تأملت حياتك قليلًا، لأدركت أن كل سقوط دفعك خطوة للأمام، وكل تأخير علّمك الصبر، وكل منع حفظك، وكل فقد هذّبك، وكل ألم فتح لك نافذة لم تكن تراها. وما من وجع مرّ عليك إلا وكان يؤدي وظيفة. وما من دمع نزل إلا وحمل معه جزءًا من النقاء. وحين تقول: “يا رب”، فأنت لا تُعلن حاجتك فقط، بل تثق بقدرة الله ووحدانيته وحكمته، وأن قلبك مطمئن بما كتبه لك. وما دام الله معك، فلا معنى للخوف. ومن عظمة الله أنه يُنبت في قلبك طمأنينة قبل أن يُبدل ظروفك، وكأن السكينة تأتي كالبشارة قبل أن تصل الهبة.
فإذا شعرت الآن بثقل أو حيرة أو ضياع، فتذكّر شيئًا واحدًا: الوجع المؤجل ليس هزيمة. إنه بداية شيء جديد. بداية تعيدك إلى نفسك… ثم تعيدك إلى الله، وهو أعظم المكاسب كلها.
وعند نهاية المشهد، حين يهدأ كل ما حولك، ستلتفت إلى الوراء وتفهم شيئًا لم تفهمه من قبل: أن ما ظننته وجعًا محضًا كان في الحقيقة بابًا، وأن ما حسبته نهاية كان بداية تتأخر قليلًا لتأتي في شكل أجمل. وأن الحكمة التي ظننت أنها غائبة، كانت تعمل في الخفاء بترتيب دقيق لا تخطئه عين القلب حين يصفو.
ستضحك… لا لأنك انتصرت، بل لأنك نجوت. ولأنك الآن ترى ما لم تكن تراه. ستقول لنفسك: “كان عليّ أن أمر بهذا لأصبح ما أنا عليه الآن.” وستشكر اللحظات التي انكسر فيها صوتك، لأنها كانت الطريق لصوتٍ آخر أقوى وأصدق.
ثم ترفع يدك إلى السماء وتهمس:
يا رب، لقد فهمت. فهمت أن كل تأخير كان فيه خير، وكل منع فيه لطف، وكل وجع كان يعبر بي لشيء أعظم. فهمت أن الحياة ليست ضدّي… بل تقودني — حين أتوكل عليك — إلى حيث يجب أن أكون.
وفي لحظة الصفاء تلك… تعرف أنك لم تُخلق لتنهزم، بل لتنهض. وأن الوجع المؤجل… لم يكن يومًا نهاية، بل حجر الأساس لبداية أجمل.
●ابتسم الآن …فهناك من يحبك ويكتب لأجلك وليضئ للآخرين..!
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi@hotmail.com



