كتاب واصل

الكلام … موكّل بالمنطق…!

"وما بين همسٍ يخرج من لسانك ونورٍ يعيده الله إلى القلب؛ تتشكّل أقدارٌ تصنعها الكلمات حين تُقال بصدق."

✒️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

في عالم يفيض بالكلمات كبحرٍ متلاطم بلا شراع، ينسى كثيرون أن الجملة العابرة قد تغيّر مجرى حياة، وأن العبارة الصادقة قد تصنع معجزة صامتة تتسلل إلى الأعماق. الله جعل للكلمة وزناً يفوق ما نتصور، وجعل لسانك أثرًا يبني أقدارنا، ويعيد تشكيل بيئتنا الروحية والنفسية حسب ما تحمله النوايا. الكلام موكّل بالمنطق؛ ليس فقط لأنه قد يجلب البلاء إذا أسأنا استخدامه، بل لأنه يعيد إلينا ما نزرعه من خير أو شر، ويضيء لنا الطريق أو يظلمه حسب ما نتحدث به.

في غفلة من الناس، يتعاملون مع الكلام كما لو كان غبارًا يتطاير، بينما الحقيقة أن الله قال: «ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد». الآية تكشف قانوناً عميقاً: كل ما تقوله يبقى معلّقًا، يعود إليك، ويؤثر في حياتك كما لو كانت شجرة تُثمر أو شوكة تغرز في الطريق.

وقد لخّص النبي ﷺ هذه الحقيقة بقوله الصحيح: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، يرفع الله بها درجاته». أي أن الكلمة ليست تفاهة، بل مساحة تتنزل فيها رحمة الله على من أحسن القول، كما قد تتنزل فيها العواقب على من أساء.

شاب كان يعمل في توصيل الطلبات، كان يدعو لكل من يسلّم عليه قائلاً: “الله يوسع عليكم”. عبارة بسيطة، لكنها خرجت من قلبه، ومن حسن الظن بالله. وفي يومٍ لاحق، التقى برجل كبير، فسأله إن كان يبحث عن عمل أفضل، وبعد أيام قليلة، وجد نفسه في وظيفة ثابتة براتب أعلى بكثير. قال مبتسمًا: “كأن الله رد لي كل كلمة طيبة خرجت مني… لكن على شكل رزق وفرص لم أتوقعها”. هكذا تظهر سنّة الله: الخير يُعاد إلى من يصنعه، والعواقب تتبع كل كلمة.

الأمثلة لا حصر لها. من ينطق بالخير يفتح الله له أبوابًا من النور، ومن يبارك يبارك خطواته، ومن يدعو للناس يرفع الله مقامه. ابن الجوزي قال: “الكلمة الطيبة تُرجع لصاحبها أطيب مما خرجت”، وسقراط قال: “نحن نصنع مصائرنا من حروف ننطقها”، وأرسطو أكد أن الكلام أول الطريق الذي تتبعه الروح.

ومع هذا، يحيط البعض أنفسهم بالكلمات المظلمة: “سأفشل، سأبتلى، لن أتجاوز”، ثم يندهشون إن وجدوها تتحقق. بينما من يردد: “سيكرمني الله، سيسهّل أمري، سيحفظني”، فهو لا يهدّئ نفسه فقط، بل يزرع حوله سياج الطمأنينة ويستجلب لطف الله وفضله.

لذلك، رصّ كلماتك كما ترصّ خطواتك، وتحدث لتبني، لتعلو، لتعبر عن إيمانك بلسانك الذي يراقبه الله. اجعل كلامك نافذة يدخل منها النور، لا ثقوبًا يتسرّب منها الخوف. قل خيرًا، يأتك خير، وافتح قلبك للآخرين بكلمة طيبة تُصلح ما أفسدته الحياة.

وفي هذه اللحظة، تشرق الحقيقة: الكلام موكّل بالمنطق، ولكن الخير موكّل بمن يُحسن قوله.

●ابتسم الآن …فهناك من يحبك ويكتب لأجلك وليضئ للآخرين .!

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى