✍️راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
«الله لا يترك قلبًا يبحث عنه… ولا روحًا تهرب إليه إلا ويهيّئ لها أمانًا من حيث لا تدري»
في هذه الحياة، ليس كل من يقترب يريحك، ولا كل من يتكلم يفهمك، ولا كل من يبتسم يشعرك بالأمان.
هناك قربٌ يجعل روحك تتعثّر في نفسها، وقربٌ آخر يمنحك عزيمة تمشي بها آلاف الطرق دون أن ترتاح… إلا عند من ترتاح إليه.
أحيانًا يكون حولك الناس كالأمواج، كثيرون لكنهم لا يروون عطشك.
بينما يكفي شخص واحد، وجوده يشبه المطر بعد قحط طويل.
بعض القرب مصادفة، وبعضه ابتلاء، وبعض القرب… نجاة.
قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
فالطمأنينة عطية من الله، لا يعطيها إلا لمن عرف كيف يطلبها.
من أقبل على خالقه بقلب منكسر، أعطاه قوة تضيء داخله حتى في أشد العتمات.
ثم يضع في طريقه إنسانًا يشبه نافذة تطل منها الحياة على قلبك كل صباح.
وقد قال ﷺ: «الأرواح جنودٌ مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»
لو قابلت ألف إنسان، ستظل تبحث عن ذلك الواحد الذي يخفف عنك العالم كله دون كلمة.
من يجلس بجانبك فتفهم روحه قبل أن يفهم لسانه.
ومن يرى تعبك من ارتجافات صوتك دون أن تقول: أنا مُتعب.
العلاقات ليست بالمناسبات والصور والهدايا، بل بمقدار الراحة التي يضيفها وجود أحدهم إلى صدرك.
أنت تعرفهم… الذين تتنفس معهم بسهولة، كأن الدنيا أخف فجأة.
الذين تنطفئ عندهم مخاوفك وتتوازن مشاعرك وتستقيم نظرتك للعالم. هؤلاء لا يُعوّضون.
○ السخرية الاجتماعية تقول لك:
إن المجتمع كلما رأى علاقة جميلة، رفع مستوى تدخله!
يسألك: لماذا تحبه؟ بماذا تمتاز؟ هل يستحقك؟
يا أخي… القلب لا يصدر فواتير، ولا يُنشئ سجلات تجارية للعلاقات.
القلب طفل… يعرف من يحبه دون مبررات.
ما يشبهك يقترب منك من أول مرة.
وما لا يشبهك… يبتعد رغم كثرة اللقاء.
ونصف العلاقات في هذا العالم تنتهي… عندما نكذب على أرواحنا ونقول:
“سنعتاد”.
الحكيم قال:
“الذي لا يفهم صمتك… لن يفهم كلماتك أبدًا”
وأنا أضيف:
الذي يريح ضجيجك… أولى بالبقاء من الذي يصنعه.
أحيانًا يقترب منا أحدهم فنحس أننا بخير.
لسنا خائفين… ولسنا وحدنا.
هذه العلامة لا تُخطئ.
الاطمئنان يعرفنا… مثلما نعرف طوق النجاة إذا رأيناه.
العجيب أن بعض القلوب تتسع لقلب واحد فقط، تكفيه عن الدنيا وما فيها.
ولا يحتاج الإنسان إلى مدينة كاملة من الحضور… بل إلى قلبٍ واحد شجاع، يطمئنك أنك لا تواجه الحياة وحدك.
أقرب الناس إليك ليس الذي يشاركك المكان… بل الذي يشاركك الطمأنينة.
كثيرون يشاركوننا أمسيةً لطيفة، لكن القليل جدًا يشاركوننا ليلة الخوف.
كثيرون يقفون معك في الفرح… وقليلون يمسكون يدك في الرعب.
الحياة اختبار في اختيار من يستحق أن يدخل قلبك.
فلا تجعل قلبك ساحة عامة يدخلها المارّة والمجاملون والأصوات المزعجة.
افتحه فقط لمن يحمل مفتاح السكينة.
لأن بعض البوابات لا تُفتح إلا بالحب الحقيقي.
وبعض القرب… ليس صدفة، بل اصطفاء من قدر الله.
في نهاية اليوم، حين يدور القلق في رأسك وتختنق أنفاسك، ستعرف قيمة الشخص الذي يحضر بلا ضجيج، يربّت على روحك دون أن يلمسك، ويقول لك بنظرة:
أنا هنا… تنفّس.
هؤلاء… هم النعمة التي تُسقى بها الأرواح.
هؤلاء… هم الذين يجعلونك تبتسم رغم كل شيء.
وهؤلاء… إن رحلوا… ضاقت الدنيا جدًا.
لذلك، ثق بأن الله أدرى بمن ينفع قلبك.
وإن كنت تبحث عن نجاةٍ في هذه الحياة… فابحث عن القرب الذي لا يُرهقك.
عن إنسانٍ وجوده أمان… وكلماته حياة… وصمته راحة.
ففي عالمٍ مزدحمٍ بالضوضاء…
بعض القرب… نجاة.
● إبتسم …فأنا أكتب لأجلك ….!
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com


