مساحة حرة

«قلبي المنكسر »

في رِحلةِ مُعاناةٍ عِشتُها مع صديقي (قَلبي) في تَناغُمِ هِمَّةٍ ومُرادُ صبرٍ يَعقُبُه شِفاءٌ بحَولِ الله. شَرِبتُ مِن نَبضِ صديقي المُعاناةَ، وأَسقاني مِن ماءِ عَيني دُموعَ الألَم. نَستَريحُ أحيانًا مع طائِفَةٍ مِن خَواطِرِ الألَم، ونَستَعرِضُ مِن خِلالِها صُوَرَ الوَجَع، نَشكُو مِن أَلَمٍ ونَرنُو إلى أَمَل. وعِندَما يَعودُ التَّعَبُ يقولُ لي قَلبي بحَسرَةٍ: (قُم يا علي شُف لنا حَلًّا). فَأُنشدُ له: (يا قَلبي، اصبِر، فَرَجُ اللهِ قَريب).

حَتّى إذا خَرَجتُ مِن عِندِ نَبضِه أتحاشى أن أَغرَقَ معه في تَفاصيلِ الصَّبر، وأُحاوِلُ أُقنِعُه أنَّ نَهرَ الحياةِ لا يُراوِغُ رياحَ التَّضاريس. فيُردِّدُ على مَسمَعي: (أنا معَك قَلبٌ واحِد، ما معَك قلبٌ غَيري). وعِندما يَعودُ إلى سُكونِه قليلًا يَخلَعُ أَمَلي نَعلَي هاجِسِه ويَمشي في وادي مَلامِحي، وكُلُّ مَن حَولي يَبتَهِجُ ويَقول: (إيوا… هذا أبو تَغريد اللي نَعرِفُه). فَأشعُرُ برَغبةٍ كَبيرةٍ ألّا أُغادِرَ داخِلي، وأَن أَبقَى في رِحلةِ استِجمامٍ مع خاطِري.

ثُمَّ نُواصِلُ المَشيَ في رِحلةِ إيمانٍ أنا وصديقي (قلبي)، وأنَّ كِلَينا لا مَرسى له لوَحدِه، وأنَّنا كالسُّفُنِ الَّتي لا تَستَريح. فَقَط يَسألُني صَديقي على شَواطِئِ الحياة: أَلَم نَكتَفِ مِن حَربِ المُعاناة؟ ونُعلِّقُ الهُدنة؟ ونتَبادَلُ أُسَرَ الأَحوال؟ فأنتَ تَرُدُّ لي نَبضي وأنا أرُدُّ لك بَعدَ اللهِ الحياة. فإن لَم يَجِد مِنِّي إجابَةً يقول: (قُم يا علي شوف لنا حَلًّا). فأقولُ له: يا صاحبي، ما زالَ حَنينِي إلى الشِّفاء كَيَتيمٍ لا يَعرِفُ أَينَ دُفِنَت أُمُّه!

أنتَ يا صَديقي العَزيز (قَلبي) لا يَجِبُ أن تَقِلَّ حيلَتُكَ ويَنفَدَ صَبرُكَ. وأنتَ تَعرِفُ أنَّني حاوَلتُ خِلالَ سِنينِ مُعاناتي أن أَجِدَ مُوازَنةً بَينَ أَمَلِ الشِّفاء وذَنبِ الألَم، وأن نَقِفَ سَوِيًّا على حُدودِ التَّوجيه، وأن نَتعامَلَ مع ذَنبِنا كما يَنبَغي. اختَرنا أن نَتَجاوَزَ حُدودَ التَّعب، فَسافَرتُ بقلبي المَريض إلى بَعضِ مُدُنِ مَملكَتي الحَبيبة، وطَرَقتُ هُناك بَعضَ أَبوابِ المُستَشفَيات، فَبَعُدَت الشُّقَّةُ وعُدتُ إلى بَيتي وأهلي ورَبعي. ثُمَّ ما لَبِثتُ أن شَعَرتُ بدُوخةٍ أَفقَدتني التَّوازُن، ووَهنِ نَبضٍ مُتعَبٍ يُراوِدُني بَينَ حينٍ وآخَر، فلا أَنامُ كَثيرًا ولا أَتهَدْهَد، وكَيفَ لي أن أَصبِرَ على الحياةِ وأَعيشَها هكذا؟!

فَحَجَجتُ أنا وصَديقي (قلبي) إلى مُستشفى المَلك فَهد بالبَاحة، وأُجرِيَ لي قَسطَرة، وتَمَّ تَركيبُ شَريحةٍ مُؤقَّتةٍ للقلب لِتَنظيمِ كَهرَبَةٍ ونَبضاتِ القلب. ومِن ثَمَّ تَمَّ تَحوِيلي كَحالةٍ طارِئةٍ إلى مُستشفى المَلك فَهد للقُوّاتِ المُسلّحة بجُدّة، وهُناكَ قَرَّرَ الدُّكتورُ المُختَص أن يَعملَ لي قَسطَرةً وتَركيبَ وزِرعَ جِهازِ تَنظيمِ نَبضاتٍ للقلب. ومِن هُناكَ وبعدَ فترةٍ مِن الزَّمنِ سافَرتُ إلى عاصِمَةِ المَجدِ، الحياةِ، الاحتِواءِ: الرِّياض، حيثُ تَمَّ إجراءُ عَمَليَّةِ قلبٍ مَفتوح، وتَغييرُ صِماماتِ القلب.

لكلِّ أَخٍ وصَديقٍ وقَريبٍ وزَميلٍ كَبيرٍ أو صَغيرٍ والذي بعيد، أُخبِرُكم وللهِ الحَمدُ أنَّه رَجَعَ إليَّ قَلبي قبلَ ضَياعِ نَفسي في هَلاكِ ذاكِرتي ودُوخةٍ وفَقدِ ذاكرة، فَذَهَبَ وللهِ الحَمدُ الكَدَرُ والضِّيقُ بفضلِ الله، ثم بفضلِ كثيرٍ مِن المُحِبِّين والمُخلِصين ورِجالٍ خَدَمتُهم في عِزِّ شَبابي بكُلِّ فَخر، وأوَّلُ هَؤلاءِ الرِّجالِ أَبناءُ قَريتي الجادية حَفِظَهُم الله وأبقاهم، وهُم بحقٍّ سَنَدٌ لكُلِّ ضَعيفٍ ولكُلِّ مُحتاج. وهُم الرِّجالُ الكِرامُ هُم وسِواهم، قُلوبُهم عامِرَةٌ بكُلِّ الحُبّ، لا تَعرِفُ الغِلَّ ولا الكَراهِيَة.

ولا أَنسى مَدى حَياتي تِلكَ الإحاطةَ والسُّؤالَ المُستَمِرَّ مِن رِجالٍ عِشتُ معهم مِن رَعيلٍ إلى رَعيل، مِن إخواني وأحبّائي وزُملائي في (رَغدان الزَّمنِ الجَميل). وهناكَ أناسي كَثيرٌ أخافُ أن أَذكُرَهم فَأَنسى بَعضَهُم. مَرَّةً أُخرى أُكَرِّرُ الشُّكرَ لهم جَميعًا حاضِرِهم وغائِبِهم، وأَسألُ الله أن لا يُريَهم مَكروهًا، وأن يَجمَعَني بِهم في الدُّنيا والآخرةِ دائمًا على خيرٍ وفي خير. وشُكرٌ خاصٌّ لِعائلتي، وخاصَّةً أُمُّ تَغريد الَّتي وَقَفَت معي كَثيرًا وخَفَّفَت كَثيرًا مِن آلامي، فَجزاهُم اللهُ عنِّي كُلَّ الخير.

والسَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

أخوكم/علي بن عبدالرحمن مسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى