جبر الخواطر .. توقيعك الأزلي على جدار الرحمة !
راضي غربي العنزي “كاتب سعودي”
“أعظم رحلة في الحياة ليست أن تذهب بعيداً، بل أن تقترب من قلب إنسان مكسور.” (قالها حكيم ومضى)
لم أفهم العبارة في حينها، لكن السنوات علمتني أن هناك أبواباً إلى السماء لا تُفتح بالدعاء وحده، بل تُفتح حين تجبر خاطراً.
كنتُ أمشي في شارع مزدحم، فرأيت طفلاً يبيع بضاعة بسيطة جداً من منزله .. صوته مبحوح من النداء، والناس يمرّون من حوله كأنهم لا يرونه. اقتربت منه، اشتريت كل بضاعته!، وقلت له: “أنت تاجر ممتاز”.
لم تكن المسألة عن بضاعته أو أيّاً كان ما يبيعه؟، بل عن ضوء عاد إلى عينيه، وعن قلب شعر للحظة أن العالم لم يهمله. عندها فقط فهمت أن جبر الخواطر ليس صدقة… بل معجزة صغيرة، تحدث بصمت.
نحن نعيش نبحث عن علامات كبرى، عن أحلام تتحقق، عن نداءات سماوية تغيّر حياتنا. لكن الحقيقة أبسط من ذلك: أحياناً تكون الرسالة أن تُعيد لإنسانٍ إحساسه بأنه ما زال موجوداً.
وأحياناً تكون الصلاة الأصدق هي ابتسامة، والزكاة الأعمق هي كلمة، والصوم الأعظم هو أن تحبس قسوةً كانت ستسقط على قلبٍ ضعيف.
الحياة كتاب، وصفحاته ليست مكتوبة كلها. نحن نكتب بعض الأسطر فيه بأيدينا، حين نختار أن نكون رحمةً بدلاً من قسوة، ويدا تمتد للرفع بدلاً من الدفع.
وعند نهاية الطريق، سيقرأ كل واحدٍ منّا ما كتب… وسيجد أن أعظم السطور لم تكن تلك التي ظن أنها إنجازات، بل تلك اللحظات التي جبر فيها قلباً صغيراً، دون أن ينتظر شيئاً في المقابل.
ابحث عن القلوب المكسورة من حولك.
هناك، ستجد نفسك. وهناك، ستشعر أن الله أقرب إليك من أنفاسك.
> قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”
[رواه مسلم]
فاصلة,
جبر الخواطر ليس فعلاً عابراً، بل هو توقيعك الأزلي على جدار الرحمة، وهو الصفحة التي سيضيء بها كتابك يوم يُطوى كل كتاب… فلا تفوّت فرصة أن تكتب أجمل سطر في حياتك بقلب إنسان آخر!