( أثر التطوع ومشكلة الانسحاب المفاجئ )
بقلم أ. علي الزهراني
يُعدّ العمل التطوعي أحد أهم الركائز التي تقوم عليها المجتمعات المتقدمة، فهو يعكس وعي الأفراد، ويعبّر عن إحساسهم بالمسؤولية تجاه مجتمعهم ووطنهم. ويشكّل التطوع أداة فعالة في غرس القيم الإنسانية والاجتماعية، حيث يربّي في النفوس روح التعاون والإيثار والانتماء، ويعزز من الترابط بين أفراد المجتمع من خلال بناء جسور التواصل والمحبة بين المتطوعين والمستفيدين من خدماتهم.
لا يقف أثر العمل التطوعي عند حدود المجتمع فقط، بل يمتد ليشمل المتطوع نفسه، إذ يسهم بشكل مباشر في تطوير مهاراته الحياتية والعملية، مثل القدرة على القيادة، وإدارة الوقت، والتواصل الفعّال، والعمل الجماعي، وهي مهارات مهمة في الحياة الأكاديمية والمهنية. كما يمنح التطوع الفرصة للتعرف على أشخاص من مختلف الخلفيات، مما يوسّع من شبكة العلاقات الاجتماعية ويفتح آفاقًا جديدة للتجربة والتعلّم. والأهم من ذلك أن التطوع يُشعر الفرد بقيمة ما يقدّمه، ويعزز ثقته بنفسه من خلال مساهمته الفعّالة في إحداث أثر ملموس في حياة الآخرين.
ومع كل هذه الإيجابيات، يواجه العمل التطوعي تحديًا شائعًا يتمثل في الانسحاب المفاجئ لبعض المتطوعين دون سابق إنذار أو مبررات واضحة. هذا النوع من الانسحاب قد يربك سير العمل داخل الفرق التطوعية، ويؤثر سلبًا على إنجاز المهام والفعاليات، بل وقد يؤدي إلى فشل بعض البرامج التي تعتمد بشكل كبير على التوزيع الدقيق للمهام بين المتطوعين. كما يتسبب في إرهاق الفريق المتبقي، إذ يضطرون إلى تحمل مسؤوليات إضافية لم تكن ضمن خططهم، مما قد يؤثر على حماسهم واستمراريتهم. ومن الجوانب السلبية أيضًا أن تكرار حالات الانسحاب المفاجئ قد يسيء إلى صورة العمل التطوعي في المجتمع، ويقلل من ثقة الجهات المستفيدة والمؤسسات الداعمة بهذه المبادرات.
تتعدد أسباب الانسحاب المفاجئ، ومنها ضعف التنظيم، أو عدم وضوح الأدوار، أو تراكم الالتزامات الشخصية والدراسية على المتطوع، وقد يكون السبب هو قلة التقدير أو غياب التحفيز المعنوي، إضافة إلى ضعف التواصل بين المتطوع والجهة المشرفة. ومن هنا تبرز أهمية توفير بيئة تطوعية محفزة تقوم على الشفافية في توزيع المهام، والتقدير المستمر لجهود المتطوعين، والاستماع لهم، ومراعاة ظروفهم، مع ضرورة إعداد المتطوع وتأهيله منذ البداية حتى يكون على دراية تامة بما هو مقبل عليه.
في الختام، فإن العمل التطوعي يمثل قيمة عالية لا يمكن الاستغناء عنها في بناء المجتمعات وتقدمها، لكنه يتطلب التزامًا حقيقيًا من المتطوعين، وحرصًا من الجهات المنظمة على خلق بيئة مستقرة وجاذبة. فالتطوع ليس مجرد وقت يُقضى، بل مسؤولية وأمانة، ومن يختار أن يكون جزءًا من منظومة العطاء يجب أن يدرك أثر وجوده وأهمية استمراريته.