(الموسى قرية التراث والجمال
نايف الخمري / كاتب صحفي
وأنا في طريقي لقرية الموسى تلبيةً للدعوة الكريمة التي وصلتني من بعض الأصدقاء لزيارة مهرجان الدار التراثي بنسخته الثالثة في قرية الموسى التراثية هذه القرية التي تنتصب شامخة فوق المسطحات الزراعية المتفرقة على امتداد جوانبها التي تحيطها الطبيعة وتحتضن القرية التراثية الضاربة بجذورها في عٌمق التاريخ الأصيل هذه القرية العريقة التي نشأت قبل أكثر من (500) عام وهي تٌعد من مكنونات التراث الخالد في منطقة الباحة لازالت شاهدة على إبداع البناء الهندسي لإنسان هذا المكان مٌنذ القدم، أول ما استرعى انتباهي حصن القرية بارتفاعه الشاهق بعد إعادة بناءه بالحجارة وفق دقة هندسية عالية وكذلك مباني القرية الحجرية العريقة التي تتميز بالأصالة والبساطة والتناسق والتناغم الهندسي الدقيق والتي لا تزال صامدة في وجه الزمن حيث تم تجديدها وفق التراث والانسجام مع البيئة مع المحافظة على طابعها التقليدي والمعالم القديمة للبناء، ودخلت الحجارة كذلك في عملية رصف وتزيين الطرق الداخلية والمساريب والساحات التي كانت ممزوجة بروح الحداثة الزاهية فخرجت بحلّة فريدة وأنيقة وهذا التناغم بين الحجر والطبيعة أرخى على المكان تجانٌساً من حيث الطراز المعماري والناحية الجمالية الذي جاء ليعكس هذا العمل التراث الغني للقٌرى الأثرية في منطقة الباحة، ومن أبرز معالمها الاجتماعية والتاريخية جامع القرية الأثري والمرصد الزراعي وهو أيضاً من المعالم البارزة في القرية، حيث يعد أشهر معلم في تاريخ المنطقة كان يستخدم قديماً لحساب أوقات زراعة الحبوب، وهو عبارة عن طريقة هندسية يتم من خلالها حسابات معينة لدخول موسم الزراعة ومعرفة موسم الأمطار عنما تدخل الشمس مع الشروق من الفتحات الضيقة وتستقر في أحد الزوايا وهنا يبدأ الحساب في حال تعامدت الشمس في هذه الزاوية.
هذه القرية التي كانت تنبض بالحياة فيما مضى وها هي الأن تنبض بالهدوء تفوح منها رائحة الماضي وهي تحفظ حكايات وتاريخ الأباء والأجداد في الماضي التليد، وفي كل منعطف فيها وزاوية توجد هناك قصص تروي تاريخ الأجداد وعيون تحكي تاريخ القرية وأبعاد أخرى لا تُرى لكنها تُنقل من جيل إلى آخر للمحافظة عليها.. أبحرت في القرية هائماً أركز النظر على واجهات البيوت الجميلة وكأنها لوحة فنية مٌتكاملة مليئة بكل ألوان الجمال، وحملني خيالي إلى حياة ساكنيها البسطاء الكادحون في ذلك الزمن الجميل ، أكملت جولتي أتفرس وجوه الزائرين المٌترعة بالشوق الدافئ والحنين الدافق للماضي الجميل ورائحة المكان الساحر الذي يهمس بترابط النسيج الاجتماعي والأخلاقي وملامح المارة العابرين المٌتعطشين لكل ما هو تراثي وثقافي وتاريخي، في وسط أجواء من الحبور والسرور، حيث لا تزال البيوت الأثرية القديمة تحتفظ بنمطها العمراني الحجري في تحدِ لظروف وعوامل التعرية المٌتغيرة، لتكون شاهدة على قوة وصلابة هذه المباني وخصائصها العمرانية الفريدة من نوعها مما ساعد على الحفاظ عليها عبر العصور، كانت القرية مُكتظة بالزائرين والمصطافين حيث الزحام في كل جزء في القرية وكان الأكثر زحاماً المعرض التراثي، تجولت في متحف الدار الذي يقام في قلب القرية التراثية الذي ضم بين دفتيه تراث قرية الموسى وتاريخها وعراقة الأصالة ومجموعةً متنوعة من القطع الأثريَّة، وغيرها حيث الملابس المطرزة والأزياء التقليدية القديمة، التي كانت تُلبس قديماً في القرية وصناعة النسيج، وفي وسط التنقل بين الأدوات المنزلية التقليدية، والأدوات الزراعية وأنواع السيوف والجنابى وصور تحاكي نمط الحياة في الماضي، وخلال ذلك كانت هناك عروضًا حية لبعض الحرف التقليدية، كصناعة الجنابى والنسيج، وكانت هناك عروض لبعض المنتجات التراثية من إنتاج الأسر المنتجة، بالإضافة للعروض الشعبية، والحرف التراثية الأخرى والأسر المنتجة التي لاقت إقبالًا كبيرًا من الزوار.
ولا كان لابدّ من التوقف عند اللوحات الفنيّة المميّزة للفنانين التشكيليين والرسامين الهواه التي أضفت للمكان رونقاً جميلاً ..
سعدت بزيارة قرية الموسى وقد كانت الجولة في القرية جميلة بكل المقاييس، خصوصا وأنني كنت أستمتع بها بمعية بعض الأصدقاء الذين رافقوني وتم اختتام الجولة بتذوق الأكلات الشعبية المتنوعة المشهورة في بلاد زهران، كانت الأحاسيس جميلة لأن كل شيء في هذه القرية الفريدة حافظ على طابعه القديم والمباني منذ القدم لم تتغير لذلك هي تعد واحدة من أجمل القرى الموجودة في منطقة الباحة التي تشتهر باستخدام الحجارة بشكل واسع في البناء في جميع القرى كنمط عمراني أصيل يأبى الاندثار، لما يتمتع به من خصائص فنية وسمات جمالية يجب المحافظة عليها، فقد اكتسبت هذه القرية شٌهرتها سريعاً وأصبحت مقصداً للسياح بسبب النمط العمراني الحجري التي تتميز به والذي لا يزال صامداً حتى الآن بفضل محافظة الأهالي عليه الذين أدركوا أهمية الحفاظ على تراثهم ليبقى نموذجاً متميزاً للبناء القديم الذي يعود للماضي والاهتمام به للحفاظ على خصوصية النمط العمراني التقليدي لهذه القرية والمساهمة في بناء مجتمعهم وإحياء التراث الثقافي من خلالها، شكرا لأهالي قرية الموسى المخلصين، شكرا لرجل الاعمال الشيخ سعيد العنقري ورجل الأعمال الشيخ سيحان بن عيضة الذين كان لهم الأثر الكبير في مهرجان الدار الداعم الرئيسي لإعادة تأهيل هذه القرية الفريدة التي تحكي حكاية الأصالة والجمال وأعادة وهجها وبريقها من جديد.
آخر المشوار:
شكرا لجمعية الدار التراثية التي تهتم بحماية التراث الثقافي وحفظه وإبرازه مما يساعد على الحفاظ عليه عبر الأجيال القادمة ليكون جزء حيوياً لبناء مجتمع مٌستدام لمنطقة الباحة، والذين أدركوا أن الحفاظ على التراث لا بد أن يكون من خلال جمعية أهلية تسعى لرفع الوعي بأهمية التراث بكافة مجالاته وتساهم في دعم المٌهتمين والدارسين والباحثين في مجالات التراث وتوفير فرص تعليمية وتدريبية لأبناء المجتمع من خلال تبنى المواهب وتدريبهم للمحافظة على التراث الغني الخالد.