كتاب واصل

الثنائي الجميل

بقلم/ عائض الشعلاني

الثنائي في ميدان العرضة الجنوبية الشاعر الكبير / هميل بن شرف الغامدي والشاعر الكبير / مبارك بن عايض أبو علاج الغامدي. 

فكان لحضورهما الدائم قوة في الأداء وتأثيراً على الشعراء والجماهير حيثما يحضران تتواجد الإثارة فشكلا ثنائية شعرية دامت لأكثر من ثلاثة عقود ،، 

كِلاهما من قبيلة غامد ومن قبيلتين عريقتين قبيلة رفاعة وقبيلة الهجاهجة من محافظة العقيق بمنطقة الباحة ،، جذور واحدة ومواهب متعددة في فن الشعر فلهم الأثر البالغ في تشكيل ملامح هذا الفن الأصيل على مدى سنوات طويلة .

يُعد هميل بن شرف من أعمدة شعراء العرضة الجنوبية يمتاز بأسلوبه الهادئ المتزن الذي يجمع بين الجزالة والرمزية ،، وبين الحكمة والحدة ،، حين يستلزم المقام ذلك ،، عُرف بإجادة الوزن والقافية ،، والتعبير عن مواقفه ببلاغة بعيدة عن الابتذال أو الزهو المفرط ،، لا يغرق في الاستعراض بل يمنح قصيدته بعدًا تأمليًا ،، يجعلها تتجاوز لحظة المحاورة إلى فضاء أوسع وتردده الجماهير ردحُ من الزمان . 

كذلك مبارك بن عايض أبو علاج ،، فهو شاعر يهوى خلق الدهشة والمفاجآت وتمتاز قصائده بالحيوية والقدرة على تطويع المعنى لصالح التكتيك الشعري ،، يمتلك حسًا عالياً بالميدان ويعرف متى يصعد بالكلمة ومتى يحتفظ بها لتكون قنبلة موقوته تنفجر في أي لحظة ،، وهو شاعر “الرد المفاجئ” الغير متوقع الذي لا تُؤخذ عليه غفلة في ساحة النزال . 

ما يجعل هذا الثنائي محط إعجاب جماهير العرضة هو تكاملهما الفريد ،، فعندما يقفان معًا ،، تجد أن أحدهما يُمهّد والآخر يُصعّد ،، أحدهما يُحكم البناء والآخر يُشعل الحماسة ،، هذا الانسجام لم يكن وليد اللحظة ،، بل نتيجة سنوات من الممارسة والمواقف والمعرفة العميقة بأساليب بعضهما البعض ،، والأهم هو ” الاحترام المتبادل ” فيما بينهما والذي قلّما نجده في ثنائيات شعرية أخرى ،، فخلّد الثنائي العديد من المحاورات التي لا تزال تتداول بين جمهور الشعر إلى اليوم سواء في المقاطع المرئية أو عبر المنصات أو في الروايات التي يتناقلها لمحبي شعر العرضة ،، ويُحسب لهما أنهما حافظا على نقاء الشعر الجنوبي وسط موجة “الشيلات” ،، محافظين على الهوية الأصلية لفن العرضة دون أن يُغرقا أنفسهما في التقليد الأعمى أو الانغلاق .

لا شك أن هميل بن شرف وأبو علاج قد أسسا لما يمكن تسميته ”مدرسة التوأمة الشعرية” ،، فهي نموذج يحتذى به في التناغم والتكامل ،، ليتعلم الجيل الجديد من الشعراء الشباب فن الارتجال ودهاء الكلمة وصدق الانتماء للبيئة والقبيلة دون تعصّب .

” في الختام ” يبقى هذا الثنائي شاهدًا على الزمن الجميل للعرضة الجنوبية حينما كانت الكلمة ميزان الفخر و الرجولة ،، لا إسفاف فيها ولا سباق نحو الشهرة الزائفة ،، كم نحن كجمهور ومحبين متلهفين لهذا الفن العريق لعودة الشاعرين كثنائي نادر في صفوف الشعر والعرضة ،، فسلامٌ عليهما ما تعاقب الليل والنهار ،، وما ظلّت جبال الجنوب تردد تلك الاهازيج وتشدوا بها شاهدة على هذا الثنائي العظيم الذي لن يتكرر .

نحن كجمهور ومحبين لكما نوقن أن فيكما من الحكمة والرقي ما يسمو فوق كل خلاف ،، وان ما بينكما من تاريخ طويل ومحبة جمهورٍ عريض لا ينبغي أن يطويه الزمن بهذا الجفاء والجحود ولا أن تُغلق دونه أبواب التواصل والرضى .

فلسان حال محبيكم يقولون لكما أطلبا ما عند الله أولاً ،، ثم استجابةً لنداء محبيكما ثانيًا ،، أن تجعلا من هذا الخلاف صفحةً تُطوى يعقبها محبةً وألفه ،، فكم من القلوب تنتظر عودتكما كثنائي نقش اسميكما في ذاكرة الشعر الشعبي .

ومن خلال هذا المقال فإنني أدعوا زملائهم الشعراء من غامد البادية بالدرجة الأولى أن لايتركون لهذا الخصام أن يطول فهذا هو المتوقع منكم ،، وكذلك اتمنى من شيوخ القبائل و العقلاء بتدارك الموقف كما تعودنا دائماً منكم الاهتمام بالصالح العام و تقريب وجهات النظر وإصلاح ذات البين ،، فليكن لهذين الشاعرين الكبيرين بن شرف وابو علاج نصيباً في ذلك ،،ليعود لنا ذلك الماضي الجميل وإحياءاً للموروث الشعبي الثانئي لمناسباتنا العامة ولمجالسنا العامرة بأهلها وجماهيرهم العريضه فالجميع متعطشين لرؤية هذا الثنائي من جديد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى