كتاب واصل

الحرب الجمركية بين الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية

بقلم : منصور ماجد الذيابي

كنت كتبت عن كل الحروب والصراعات المسلحة في الشرق الأوسط و العالم اجمع غير أنني أكتب اليوم عن حرب مختلفة بدأتها الولايات المتحدة الامريكية بإعلانها قبل أيام قليلة مضت رفع الرسوم الجمركية على واردات دول العالم لأمريكا ومن بينها اليابان و كوريا و روسيا والصين الشعبية التي كانت ومنذ عقود طويلة تغزو العالم اقتصاديا بكل أشكال الواردات التجارية حتى أغرقت الأسواق بمنتجاتها الصينية المنافسة بقوة للصناعات المحلية للدول الأخرى في جميع قارات العالم نظرا للطلب المتزايد على الواردات الصينية باعتبار أنها من السلع الرائجة في الأسواق الأوروبية و الأمريكية و كذا في أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

و رغم الاتفاقيات السابقة بين الصين و امريكا فيما يتعلق بالتبادل التجاري بينهما، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد تراب وخلال ولايته الجديدة و الأخيرة حاول البحث مؤخرا عن طريقة جديدة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الكساد و الغرق و الانهيار على حساب اقتصاديات الدول الأخرى وذلك بأن اتخذ قرار رفع الرسوم الجمركية أملا بأن يتعافى الاقتصاد الأمريكي الذي لا يزال يهيمن على كل اسواق العالم المرتبطة بالدولار الأمريكي.

وكانت الصين هدّدت الولايات المتحدة باتخاذ اجراءات مماثلة و حذّرت في الوقت نفسه من عدم استخدام الاقتصاد ورقة ضغط على بكين. فالصين ليس لديها بدائل تجارية أخرى للتصدير كالنفط والغاز والسلاح ذلك أنها تعتمد فقط على الصناعات المحلية في عمليات التصدير، خلافا لدول أخرى في العالم يمكنها مجابهة أمريكيا اقتصاديا بما لديها من مصادر اقتصادية متنوعة للتصدير ومن أهمها النفط والغاز والمعادن والمنتجات الكيميائية المختلفة. وبالتالي فان أي حرب تجارية مع الصين سيجعلها عرضة للغرق في مستنقع الديون الخارجية والكساد الاقتصادي.

أما بريطانيا فتبدو اليوم في وضع حرج أمام الولايات المتحدة وهي تحاول ضبط البوصلة التجارية وسط عاصفة امريكية قوية رغم أن الحليف الأمريكي فرض عليها الحد الأدنى من الرسوم الجمركية بنسبة 10٪ ما جعل شركة رولزرويس العملاقة تتكبد خسائر تقدر بنحو 10 ٪ اضافة الى تكبد شركات اوروبية أخرى خسائر فادحة نتيجة لارتفاع الرسوم الجمركية التي هوت كذلك بمؤشر داوجونز الأمريكي لأدنى مستوى له منذ دخول ترامب البيت الأبيض.
وكان الاتحاد الأوروبي عقد سلسلة من الاجتماعات التي بحث خلالها كيفية التصدي والخروج من أزمة الرسوم الجمركية على الواردات الأوروبية رغم عضوية أوروبا في حلف شمال الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد كذلك انعاش اقتصادها على حساب الحلفاء و غير الحلفاء.

وبذلك تدخل الصين و معها روسيا في حرب اقتصادية مع مجموعة الدول الصناعية السبع، التي تضم في عضويتها كل من كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. وهي المجموعة التي تستأثر وفقا لخبراء اقتصاديون بنسبة تقارب 60% من صافي الثروة العالمية (317 تريليون دولار)، ويُعتبر أعضاء المجموعة أكبرَ الاقتصادات المتقدمة في العالم وفقًا لصندوق النقد الدولي وأغنى الأنظمة الديمقراطية الليبرالية.

وهنا قد يتساءل خبراء الاقتصاد حول ما إذا سيكون بمقدور العملاق الصيني و معه الدب الروسي مجابهة مجموعة السبع أو على الأقل مجابهة الديناصور الأمريكي وكل من يدور في فلكه و يعيش في غابته برسوم جمركية و ضرائب تجارية في ظل المظاهرات المليونية التي اجتاحت الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا و تتصاعد حاليا في المملكة المتحدة و دول اوروبية اخرى حيث تهدد هذه الحملة بالعصيان المدني و تطالب بوقف عمليات الابادة الجماعية في قطاع غزة وكذلك فتح المعابر لإدخال المساعدات الانسانية الغذائية لإنقاذ البشر في غزة من حملة التجويع كما أوضحت مؤخرا في مقالات بعنوان ” سياسة التهويد و التجويع و التهجير”، و ” مخطط التهجير و ازدواجية المعايير”.

وبصفتي مراقب للشأن الدولي والاقليمي فإنني اعتقد بأن التحالف الأمريكي الأوروبي لن يتمكن من انعاش اقتصاداته من خلال مضي الادارة الامريكية قدما في مشروع زيادة الرسوم الجمركية والتبادل التجاري مع الصين و روسيا وبلدان اخرى في العالم لا سيما و أن الولايات المتحدة تعاني أصلا من عجز تجاري هائل مع دول العالم، و لم تكن رسوم ترمب الجمركية الأخيرة إلا باتجاه وقف هذا النزيف الاقتصادي ناهيك عن تورط الادارة الأمريكية في حرب استنزافية كانت بدأت في أوكرانيا ضد روسيا مرورا بدعم إسرائيل في حربها على غزة و انتهاء بالحرب على اليمن حيث اغلقت جماعة الحوثي الممرات البحرية في وجه السفن التجارية الامريكية والبريطانية التي تعرضت لاستهداف الصواريخ الحوثية في كل من خليج عدن و باب المندب وتكبدت هناك خسائر اقتصادية كبيرة.

من كل هذه المعطيات أرى أن الصين و ربما مجموعة البريكس لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما ألقت الحرب الجمركية الامريكية بظلالها على اقتصاد الصين و اقتصادات دول اخرى في المجموعة الجيوسياسية التي تشكلت في يونيو حزيران من عام 2009 وبالتالي فان هذه المواجهة الجمركية ستؤدي اذا ما توسعت الى تخريب النظام المالي العالمي و انهيار الأسواق العالمية وقطع العلاقات التجارية بين الدول الاقتصادية الكبرى الأمر الذي سينعكس سلبا على كل الاتفاقيات التجارية بين دول العالم ومن ثم اقتراب شبح الحرب العالمية الثالثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى