كتاب واصل

تكوّنت رؤيتي

بقلم الكاتب و الأديب : علي عادل علي
مدينة : جدة

في زمنٍ تتسارع فيه الإيقاعات وتتبعثر فيه المعاني، وُلد شغفي بالكتابة كحالة تأمل لا تنتهي. لم أختر هذا الطريق، بل اختارني الحرف منذ البدايات، حين أدركت أن الكلمة الصادقة يمكن أن تُحدِث أثرًا يتجاوز اللحظة والحدود.

نشأت في جدة، المدينة التي تُشبه موجها في تقلباته وامتدادها، مدينة علّمتني أن البحر لا يهدأ، وأن الإبداع لا يجب أن يعرف التوقف. منذ سنواتي الأولى، وجدت في الحرف ملاذًا، وفي الورق مساحة أعبّر فيها عن ذاتي، وعن أسئلتي تجاه العالم. ومع كل تجربة، كنتُ أوقن أكثر أن المعرفة لا تُختصر في شهادة، بل تُبنى بالتأمل، والممارسة، والشغف. ومع كل تجربة، كان يتأكد لي أن المعرفة ليست حكرًا على المناهج ولا محفوظة في الشهادات، بل هي رحلة مستمرة تُبنى بالتأمل، والممارسة، والشغف الصادق.

بين الإدارة والإنسان… تكوّنت رؤيتي
بدأت رحلتي الأكاديمية من جامعة الملك عبدالعزيز، حيث اخترت دراسة الإدارة العامة، وهو تخصّص لا يقتصر على الأنظمة والهياكل فحسب، بل يتعمّق في فهم العلاقات البشرية داخل المؤسسات، ويمنح الدارس قدرة على التفكير الاستراتيجي من موقع الرؤية لا من موقع التفاعل اللحظي. تخرجت بنسبة 3.24 من 5، لكنني كنت دائمًا أؤمن أن التحصيل العلمي لا يُقاس بالأرقام، بل بمدى تشكّله في الوعي، وامتداده في التجربة.
خلف هذا الإطار الأكاديمي، كان يسكنني شغف خفي بالجانب الإنساني، ذلك الذي لا يُدوَّن في المناهج ولا يُختبر بالدرجات. كنت أبحث عن وجه الإنسان خلف كل قرار، عن أثر الكلمة في نفس المريض، وعن تلك التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق الكبير. ولهذا، قررت مواصلة دراستي في كلية البترجي الطبية، باختيار تخصص التمريض العام. خطوة قد تبدو انتقالًا من مسار إلى آخر، لكنها في حقيقتها كانت اقترابًا أعمق من جوهر رؤيتي: أن الإدارة بلا حس إنساني هي سلطة فارغة، وأن التمريض بلا وعي تنظيمي هو جهد بلا أفق.
هذا المزج بين الإدارة والرعاية كوّن عدسة فريدة أكتب من خلالها اليوم: عدسة ترى العالم بعين المنظّم، ولكن بقلب المُداوي. بالنسبة لي، الكتابة تشبه التمريض: إصغاء عميق، وإنصات لما هو أبعد من الظاهر، وحرص دائم على شفاء ما لا يُرى بالعين.
الكتابة المهنية… من الصحافة إلى التأثير
منذ أن وطأت قدمي مجال الإعلام، حملت قلمي كما يحمل الطبيب سماعته؛ لا للتشخيص فقط، بل للفهم، ثم للتشريح، فالمعالجة. بدأت مع قناة MBC في قسم التحرير الإخباري، حيث تعلّمت أن سرعة النشر لا تلغي دقة التعبير، وأن الخبر لا يكتمل إلا إذا كان مسؤولًا في صدقه، ومدروسًا في وقعه.
ثم كانت المحطة التالية مع المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، وهناك دخلت عالَم المحتوى التحليلي، حيث الكلمة لا تكتفي بنقل المعلومة، بل تفسّرها وتربطها بسياقها الثقافي والاجتماعي. تحريري للنصوص هناك لم يكن مجرد عمل، بل تمرين يومي على مساءلة المعنى، وعلى مساءلة الذات.
أما تجربتي مع منصة “ثمانية”، ضمن برنامجي “فنجان” و”سقراط”، فكانت بمثابة مختبر فكري متحرّك. تعلّمت أن المحتوى لا يُقدَّم من علٍ، بل يُبنى بالحوار، ويُصاغ بالسؤال، ويُترك مفتوحًا كما الحياة. هنا، لم أكن أكتب فقط، بل كنت أُعيد تشكيل العلاقة بين القارئ والموضوع، بين الصوت والصدى.

طموحي لا يتوقف
لم يكن الطموح بالنسبة لي هدفًا مؤقتًا أضعه ثم أركض نحوه، بل كان وما زال رؤية مفتوحة على المستقبل، لا تحدّها المسميات، ولا تختزلها الإنجازات الآنية. فكل محطة أخوضها، وكل تجربة أمرّ بها، هي جزء من بناء داخلي مستمر، يُشكّل هويتي ككاتب ومحرر ومثقف منفتح على التحوّل.
ولأنني أؤمن أن الكاتب الجيد لا يكفيه قلمه، بل يحتاج إلى بوصلة فكرية تُرشده، انضممت إلى برامج مؤسسة مسك الخيرية: “مسك القادة”، “مسك الريادة”، و”مسك المجتمع”. هذه المبادرات لم تكن بالنسبة لي مجرّد ورش عمل أو جلسات تدريبية، بل كانت مختبرات حقيقية لاختبار الذات، ومجالًا رحبًا لصقل المهارات الفكرية والقيادية.
في هذه المساحات، اختبرت قيمة الإصغاء، وأدركت أن القيادة لا تأتي من الصوت المرتفع، بل من وضوح الرؤية، وهدوء الفكرة، وصدق الأثر. تعلمت أن المبادرة لا تبدأ من الخارج، بل من سؤال داخلي: ماذا يمكن أن أقدّم، وكيف يمكن للكلمة أن تكون عملاً فعّالًا؟
شاركت في هذه البرامج حضوريًا وعن بُعد، وتفاعلت مع طيف واسع من الخبرات والنماذج، واكتسبت من خلالها أدوات جديدة، وشبكات فكرية متنوعة، وخرجت منها بوعي أكثر نضجًا حول دوري ككاتب لا يكتب فقط، بل يُبادر، ويُوجّه، ويُسهم في بناء وعي جماعي مستدام

ترخيص قلمي
في مسيرتي ككاتب ومحرر، لم أكن أبحث عن الاعتراف الرسمي بقدر ما كنت أبحث عن تجسيد لمشروعي الثقافي بصيغة مؤسسية. لكن عندما تأتي التراخيص، لا باعتبارها مكافأة، بل كوثيقة اعتراف برؤية وجهد وهوية مهنية، فإنها تكتسب بعدًا آخر. حصلت على عدة تراخيص رسمية من جهات حكومية، كل واحدة منها لم تُضف إلى اسمي لقبًا فقط، بل حمّلتني مسؤولية أعمق تجاه الكلمة واللغة والمعنى:
* وكيل أدبي معتمد من وزارة الثقافة، وهي صفة لا تعني التمثيل الورقي للنصوص، بل تمثيل الكتّاب أنفسهم، والدفاع عن أصواتهم، ورعاية حضورهم في الساحة الثقافية بما يليق بإبداعهم.
* كاتب معتمد من وزارة الإعلام، وهي مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهنية. فأن أكون كاتبًا رسميًا، يعني أن أتحرّى الدقة في كل فكرة، وأن أزن كل عبارة، وأن أكتب بضمير لا يخضع للتسرّع أو التهوين.
* محرر صحفي ومحرر لغوي معتمد من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وهي شهادة لا بقدر ما هي عهد؛ أن أكون حارسًا للغة في زمن السرعة، وراصدًا للمعنى في زمن الزخم، وأن أمارس التحرير كفن من فنون الإنقاذ: إنقاذ النص من الركاكة، وإنقاذ الفكرة من الغرق في التفاهة.
هذه التراخيص لا تُضيف إلى هويتي المهنية فقط، بل تعيد تأكيد التزامي: أن أكتب بصدق، وأحرر بذكاء، وأصنع محتوى يحترم المتلقي بقدر ما يحترم ذاته.
منصّات أكتب من خلالها
الكتابة ليست وجهة واحدة، بل مساحات متجددة لاختبار الصوت، وتجريب اللغة، وقياس الأثر. ولهذا، كنت حريصًا على أن أطلّ من منصات متنوعة، وأتعاون مع مؤسسات إعلامية مرموقة، لا بهدف الحضور العابر، بل للمساهمة في صياغة محتوى يُشبه الزمن الذي نعيشه، ويُنصت إلى أسئلته.
تشرفت بالتعاون مع مجلات عربية رائدة مثل: ” فوربس العربية”، و”سيدتي”، و”هي”، و”زهرة الخليج”. لكل واحدة من هذه المجلات روحها التحريرية، وسياقها الثقافي، وجمهورها المختلف، وكان عليّ أن أكتب ضمن هذه الفضاءات لا كضيف مؤقت، بل ككاتب يُنصت أولًا، ثم يكتب من الداخل.
في “فوربس العربية”، حرصت أن يكون المحتوى الذي أقدّمه متسقًا مع روح الريادة، ومبنيًا على التأصيل، لا التكرار. في “سيدتي”، كتبت بلغة تُخاطب المرأة المعاصرة، العارفة، القارئة، التي لا تنتظر أن يُقال لها ما تعرف، بل تتطلع إلى إضافة مختلفة. في “هي” و”زهرة الخليج”

مارست التوازن بين الرشاقة التعبيرية، والعمق الثقافي، فالمحتوى الجمالي لا يلغي الفكر، بل يحتضنه.
في كل تجربة من هذه التجارب، لم يكن هدفي مجرد نشر مادة تحريرية، بل الاشتباك مع الوعي الجمعي، والمساهمة في خلق محتوى يتجاوز اللحظة، ويعيش أبعد من زمن نشره. أكتب لأصنع أثرًا، لا حضورًا فقط؛ أكتب لأمنح الكلمة حياة أطول

الكتابة عن الإنسان لا تكتمل دون الحضور معه
لطالما آمنت أن الكتابة عن الإنسان لا تكتمل إلا حين نكون معه، لا فوقه، ولا حوله، بل بجانبه. الكلمات وحدها لا تكفي لترجمة الألم، ولا تعكس بالضرورة عمق المعاناة أو لحظات الفقد أو انتصارات التعافي. ومن هذا الإدراك العميق، لم أكتفِ بأن أكتب عن الإنسان من مسافة آمنة، بل اخترت أن أكون حاضرًا في ميادين التجربة الإنسانية ذاتها.
انضمامي إلى “هيئة الهلال الأحمر السعودي” كمتطوع أساسي في المجال الصحي لم يكن مجرّد إضافة إلى سجل المهارات أو الأنشطة، بل كان قرارًا واعيًا بأن أمارس المعنى الذي أكتبه، وأن أمدّ يدي في لحظة احتياج حقيقي، لا فقط قلمي. هناك، وفي مواقف تتأرجح بين الخوف والرجاء، بين النزف والنجاة، اختبرت قُدرة الحضور الصامت، وفاعلية الكلمة غير المكتوبة: النظرة، الإيماءة، الإصغاء.
هذه اللحظات التي عشتها جعلتني أعيد التفكير في وظيفة الكتابة. لم تعد الكتابة بالنسبة لي أداة وصف أو تحليل فقط، بل صارت امتدادًا لتجربة معاشة، وشهادة أخلاقية على أن الكاتب الجيّد هو الذي يُراكم أثره في الحياة، قبل أن يُراكم إنجازاته في النشر.
هذا التماس المباشر مع هشاشة الإنسان وعظمته، مع ضعفه وقوّته، أضاف بعدًا أعمق إلى نصوصي، جعلها أقل تجميلًا وأكثر صدقًا، أقل تنظيرًا وأكثر قربًا من الناس. أكتب اليوم بعينٍ رأت، لا سمعت فقط، وبقلبٍ لمس، لا توقّع فقط.

لغتي… جسر للتعبير والتأثير
اللغة لم تكن يومًا مجرد أداة بالنسبة لي، بل كانت وطنًا أعيش فيه، ومساحة أتّسع عبرها. هي النافذة التي أطلّ منها على العالم، والمِرآة التي أرى من خلالها ذاتي. كانت العربية، منذ البدايات، أكثر من لغة أم… كانت ذاكرة وتكوين، سكنت وجداني لا بوصفها وسيلة تعبير، بل كهوية، وإحساس، ومسؤولية.
بالعربية أكتب، لا لأنني أجيدها فقط، بل لأنني أحبها، وأثق بقدرتها على حمل أثقل المعاني بأبسط التراكيب. هي التي تعلّمني كيف أصوغ الحنين، وكيف أرتّب الانكسار، وكيف أمنح الكلمات صوتًا يشبهنا. بها أُنسِب الحكايات إلى أهلها، وأمنح النص روحًا لا تترجم.
أما الإنجليزية، فهي الجسر الذي لا يُلغي الانتماء، بل يوسّعه. أتعامل معها كلغة تفتح لي آفاقًا جديدة، وفرصًا لتبادل المعنى مع قارئ لا يُشبهني ثقافيًا، لكنه يلتقي معي إنسانيًا. أقرأ بها، وأدوّن، وأُترجم ما يستحق أن يُقال للعالم. أستخدمها بوعي، لا كهروب من الجذر، بل كممرّ إلى الآخر.
لغتي في كلتا الحالتين ليست وسيلة، بل حضور. هي ما يجعل من كل نص فرصة لحوار جديد، ومعنى مُستعاد، وامتداد لما أؤمن به: أن الكتابة حين تُخلِص للغة، تخلُص للحقيقة.

الخدمات التي أقدّمها
حين أقدّم خدماتي في مجال الكتابة، لا أتعامل معها كمهام تُنفّذ، بل كمساحات يُعاد فيها ترتيب اللغة، وتُنسج فيها الأفكار بحسّ إبداعي يحترم المتلقي، ويراعي هوية الجهة أو الشخص الذي يطلب الخدمة. أرى أن كل مشروع كتابي أو تحريري هو حوار بين عقلين: عقل يكتب، وآخر ينتظر أن يُقنع أو يُلهم أو يُلامس.
خلاصة، خبرتي الأكاديمية والمهنية تتجلى في خدمات مصقولة، موجهة للفرد والمؤسسة، ومرتكزة على الفهم العميق للغة والسياق والجمهور. لا أؤمن بالحلول الجاهزة، بل أصوغ لكل تجربة ما يُشبهها، وما يليق بها.
في الكتابة والتأليف:
* كتابة المقالات الإبداعية والتخصصية
* الكتابة التقنية والمهنية
* التأليف الواقعي والخيالي
* كتابة السيناريو للمحتوى الرقمي والصوتي
* كتابة علاجية وتأملية تنطلق من التجربة الإنسانية
في التحرير والتدقيق:
* التحرير الصحفي والتحليلي
* تحرير وتنسيق المحتوى الرقمي والإعلامي
* التدوين الإبداعي والنقدي
* التدقيق اللغوي والنحوي والبياني
في الأبحاث والدراسات:
* إعداد الدراسات الاجتماعية والثقافية والإعلامية
* إنتاج المحتوى البحثي الأكاديمي والتحليلي

إنجاز أعتز به: ويكيبيديا
في عام 2025، تم اعتماد ونشر أول مقال رسمي لي على موسوعة ويكيبيديا. قد يبدو الأمر للبعض خطوة بسيطة في فضاء رقمي واسع، لكنه بالنسبة لي كان لحظة رمزية وعميقة؛ لحظة تشبه توقيع الكاتب على الصفحة الأولى من مشروعه الحقيقي.
لم أتعامل مع النشر في ويكيبيديا على أنه مجرد إنجاز مهني يُضاف إلى السيرة الذاتية، بل اعتبرته انعكاسًا حيًّا لمسيرتي، واعترافًا موضوعيًا بأثر الكلمة حين تُصاغ عن معرفة وتُقدَّم من موقع الفاعل لا الراوي فقط. فالموسوعة التي تستند إلى التوثيق والحياد والدقة، لا تفتح أبوابها بسهولة، وما إن تفعل، حتى يكون ذلك دليلًا على أن المحتوى المقدَّم يستحق أن يُحفظ في ذاكرة الجمهور المفتوحة.
لقد جاءت هذه اللحظة بعد فترة توقّف قصيرة، توقّف لم يكن انقطاعًا عن الكتابة بقدر ما كان إعادة تنظيم للرؤية، وترتيبًا للأولويات، وإعدادًا لعودة أكثر وعيًا. لم أعد إلى الساحة بقلم يُجرب، بل بعقلٍ أكثر نضجًا، وبصوت اختبر المسافة بين الهدوء والصدى.
الكتابة، بالنسبة لي، لم تكن يومًا بحثًا عن التتويج، بل سعيًا إلى تكريس أثر. لذلك، أكتب لا لأملأ فراغًا في النشر، بل لأبني جسرًا من المعنى بيني وبين القارئ. وأؤمن أن المقال الذي يُنشر بصدق، هو أكثر من محتوى… هو وثيقة تنتمي إلى سياقها، وتشهد على صاحبها.
نعم، أنا لا أكتب فقط لأُقال، بل لأفتح نوافذ على ما لا يُقال. لأنني أؤمن أن الحكايات، حين تُروى بنزاهة، لا تُغيّر العالم وحدها، لكنها تُذكّره، كل مرة، أن التغيير ممكن بالكلمة، بالصوت، وبأثر لا يُنسى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى