كتاب واصل

الباحثون عن السكن .. و بشائرٌ تلوحُ في الأفق

بقلم : منصور ماجد الذيابي

كنت ذكرت في مقالات سابقة حول الشأن العقاري بأننا كنا نسمع خلال العقدين الماضيين عن تفاقم أزمة السكن التي لا تزال تلقي بظلالها على أحد أهم قطاعات الاقتصاد المحلي بالرغم من كل الدراسات والمقترحات والتوصيات التي قُدّمت في هذا الصدد، وبالرغم من الجهود التي بذلت من قبل الجهات الحكومية ذات العلاقة بموضوع السكن.

فهل تكمن المشكلة في تلك الدراسات والخطط التي أُعدّت وفقاً لإحصائيات الجهات الحكومية المعنية بالتنمية والتخطيط لمستقبل أفضل، أم أن المشكلة تكمن في آلية تنفيذ تلك الدراسات والبرامج والمشروعات السكنية؟


عرفنا جميعا عمّا قيل في الشأن السكني وشاهدنا وقرأنا آراء كثيرة وتصريحات ووعود لم تحقق الحد الأدنى من طموحات وآمال الباحثين عن السكن في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية بالرغم من توفير الحكومة لكل الإمكانات ورصد الميزانيات الضخمة لإعداد الدراسات والمخططات العمرانية وتنفيذ المشروعات السكنية في جميع مناطق المملكة العربية السعودية.


لن أتكلم في هذا المقال عن الأرقام التي أعلنت لعدد المتقدمين خلال العقود الماضية بطلب القروض من صندوق التنمية العقارية أو النسبة المئوية لمن لا يملكون السكن اذ تكرر الحديث عن هذه الأرقام مراراً وتكراراً، ولكنني سوف أحاول في هذا المقال أن أسلط الضوء على بعض مواطن الخلل التي ساهمت في تبخر الآمال من تلك الدراسات التي قُدّمت والوعود التي قُطعت لتسليم وحدات سكنية تكفي وتلبي حاجة شريحة كبيرة من الباحثين عن السكن.


كما سوف أقدم الرأي من وجهة نظر شخصية أملاً في طرح حلول عملية مناسبة وعاجلة لمشكلة السكن المتمثلة في غلاء سعر الأرض أو المنتج السكني واشتراطات ومخاوف المصارف لتمويل طلبات الشراء فضلاً عن احتمال رفع سعر الفائدة مستقبلاً على القروض المقدمة من مؤسسة النقد للبنوك على غرار ما قامت به معظم البنوك المركزية التي ترتبط عملات بلدانها بالدولار عندما يعلن الفيدرالي الأميركي عن رفع أسعار الفائدة.


لا يخفى على الجميع أن الإجراءات التي اتخذت سابقا لتطبيق القرارات التي تنص على فرض رسوم على الأراضي البيضاء بهدف الحد من الاحتكار وتوسيع قاعدة العرض لكبح جماح الأسعار المرتفعة، لم يكن لها تأثير قوي على خفض معدل الأسعار في القطاع العقاري بشكل عام، اذ ما زالت الأسعار في المخططات داخل النطاق العمراني كما كانت عليه تقريبا قبل الإعلان عن فرض الرسوم والتوجه العام بتنفيذ المزيد من المشروعات السكنية. ذلك أن إجراءات فرض الرسوم على الأراضي الخام الأكثر من 10.000م لا تكفي وحدها للتأثير على الأسعار وزيادة المعروض بل لابد من حزمة إجراءات يكون من بينها ابتكار وسائل جديدة لسوق التمويل وتطوير مخططات سكنية وضخ السيولة في القطاع العقاري لتنعكس المنفعة على الاقتصاد المحلي بشكل عام.


فالتأثير على الأسعار بفرض الرسوم الأراضي الخام لم ولن يكون بالمستوى المأمول لا سيما وأن بعض ملاك الأراضي قاموا بالالتفاف على تلك الإجراءات من خلال سعيهم الى تجزئة الأراضي في المخططات المطورة وتحويل ملكيتها لأقاربهم لتفادي فرض رسوم سنوية عليها. بل إن تلك الإجراءات ساهمت في خلق حالة من الترقب الذي أدى بدوره الى احجام الناس عن البيع والشراء في ظل الظروف التي مرّ بها القطاع العقاري آنذاك والتي أوجدت حالة من اللاتوازن بين العرض والطلب بالرغم من وجود مخططات معتمدة في ضواحي المدن الرئيسية وذات أسعار في متناول الجميع.


واليوم، وبعد توجيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز حفظه الله باتخاذ عدد من الإجراءات الحازمة حرصا منه أيّده الله على اتخاذ كافة التدابير الممكنة التي من شأنها أن تسهم بقوة في تملك المواطنين للأراضي بأسعار مناسبة، فقد بدأت تلوح في الأفق بشائر الخير لمواطني المملكة العربية السعودية بإمكانية تحقيق أحلامهم بتملك الأراضي بأسعار أقل كثيرا مما وصلت اليه أسعار العقار في مدينة الرياض.


ومن هذه الإجراءات التي أعلنت عنها الجهات الرسمية المعنية رفع الإيقاف عن التصرف بالبيع والشراء والتقسيم والتجزئة، و اصدار رخص البناء واعتماد المخططات لبعض الأراضي الواقعة شمال مدينة الرياض، إضافة الى قيام الهيئة الملكية لمدينة الرياض بالعمل على توفير أراض سكنية مخططة و مطورة للمواطنين بعدد ما بين 10 الى 40 ألف قطعة سنويا خلال الخمس سنوات القادمة, وبأسعار لا تتجاوز 1500 ريال للمتر المربع. وكذلك، اتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لإصدار التعديلات المقترحة على نظام رسوم الأراضي البيضاء بصورة عاجلة خلال مدة لا تتجاوز 60 يوما، بما يكفل تعزيز المعروض العقاري. وأخيرا وكما نص عليه البيان اتخاذ الإجراءات النظامية خلال مدة لا تتجاوز 90 يوما لضبط العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين بما يكفل تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف.

وفي تقديري وكما ذكرت في مقال بعنوان ” أزمة السكن في ظل الركود العقاري”, فان التوجه الى إيصال الخدمات الأساسية في مخططات المنح شرق الرياض وتحديدا في ضاحية الشرق سوف يسهم في تيسير عملية البناء لأجل السكن لا سيما و أن أسعار الأراضي في تلك المنطقة لا زالت في متناول الجميع. وبالتالي فان إيصال الخدمات الأساسية لهذه المخططات سوف يعجّل بخفض قيمة العروض العقارية داخل النطاق العمراني الحالي لمدينة الرياض والتي تتجاوز أسعارها القدرة المالية للباحثين عن السكن كما أوضحت بالتفصيل في مقال سابق بعنوان ” النمو في المدن الكبيرة .. متى سيتوقف “؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى