يوم التأسيس: مولد قوة وملحمة وطن

في الـ 22 من فبراير من كل عام، تتجدد في قلوب السعوديين ذكرى ليست كغيرها من الذكريات، إنها ذكرى “يوم التأسيس”، اليوم الذي شهد انطلاقة الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ (1727م) على يد الإمام محمد بن سعود-رحمه الله-، وهذا اليوم ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو بداية ملحمة وطنية امتدت عبر 3 قرون، حفرت خلالها الدولة السعودية اسمها بأحرف من صمود وإرادة؛ لتصبح اليوم منارة حضارية في العالم.
وبدأت القصة في الدرعية، تلك المدينة التي تحولت إلى قلب نابض لمشروع وطني طموح في زمن كانت فيه شبه الجزيرة العربية تعاني الفرقة والاضطراب، برز الإمام محمد بن سعود قائدًا حكيمًا، متسلحًا برؤية تجاوزت حدوده الزمنية وتحالفه مع الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، صاحب الدعوة الإصلاحية، لم يكن مجرد اتفاق سياسي، بل كان ميثاقًا لبناء دولة تقوم على أسس العدالة والتوحيد ومن هنا انطلقت شرارة الوحدة، فتحولت الدرعية إلى مركز جذب ثقافي واقتصادي، وأصبحت رمزًا للقوة الناشئة التي بدأت تجمع القبائل تحت راية واحدة، وهذا المشروع الحضاري لم يقتصر على الجانب العسكري أو السياسي، بل شمل تنظيم المجتمع وإرساء قواعد الحياة .
وكان الإمام محمد بن سعود يدرك أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح وحده، بل في بناء مجتمع متماسك يؤمن بقضيته، وهكذا بدأت الدولة السعودية الأولى رحلتها.
لم تكن الرحلة خالية من العقبات، فبعد ازدهار الدولة السعودية الأولى، واجهت ضغوطًا خارجية قاسية أدت إلى سقوطها عام 1233هـ (1818م) ولكن جذور القوة التي زرعها الإمام محمد بن سعود لم تذبل بل عادت الدولة للحياة في صورة الدولة السعودية الثانية عام 1240هـ (1824م) بقيادة حفيده الإمام تركي بن عبد الله، الذي أعاد إحياء الأمل وأثبت أن الإرادة السعودية لا تُقهر ثم جاء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ليكمل الملحمة، موحدًا البلاد تحت راية المملكة العربية السعودية الحديثة عام 1351هـ (1932م) وهذا التسلسل التاريخي يكشف عن شعب لم يستسلم، بل تعلم من محن الماضي لبناء مستقبل أقوى.
فيوم التأسيس هو أكثر من أن يكون احتفالا عابرا، إنه تأمل في الماضي وعهد للمستقبل يذكّرنا بأن ما نعيشه اليوم من استقرار وتقدم لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج تضحيات وجهود أجيال متعاقبة.
ففي هذا اليوم، يتجدد الشعور بالانتماء للوطن، ويتأكد السعوديون أن هويتهم الوطنية ليست مجرد شعار، بل تاريخ حي ينبض في عروقهم.
وفي عام 2022م، أضفى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز-أيده الله-طابعًا رسميًا على هذه المناسبة بإعلانها عطلة سنوية، تحت شعار “يوم بدينا”، وهو تعبير يختزل بداية المشوار ويحمل في طياته الفخر بتلك اللحظة التي انطلق منها كل شيء.
ونشهد اليوم الـ 22 من فبراير 2025م احتفالات تمتزج فيها الأصالة بالحداثة وتتزين الشوارع بالأعلام الخضراء، ويرتدي المواطنون الأزياء التقليدية معبرين عن ارتباطهم بجذورهم، وتملأ العروض الشعبية -كالعرضة السعودية- الأجواء بالحماس، بينما تحتضن المعارض التراثية قصص الماضي عبر المقتنيات والأدوات القديمة وتروي الندوات الثقافية والفعاليات للشباب حكاية وطنهم، فيما يساهم القطاع الخاص بإطلاق مبادرات تعكس روح الاحتفاء الوطني.
ويأتي يوم التأسيس كجزء لا يتجزأ من رؤية السعودية 2030م، التي تجعل من الهوية الوطنية ركيزة أساسية للتقدم فكما كان الماضي مصدر قوة، يتحول الاحتفاء به إلى دافع لتحقيق طموحات المستقبل.
والرؤية الطموحة التي يقودها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان تربط بين إرث التأسيس وأحلام جيل جديد، حيث الاقتصاد المتنوع، والثقافة المزدهرة، والمجتمع الحيوي.
وفي الختام “يوم التأسيس مولد قوة وملحمة وطن” ليس مجرد عنوان، بل حقيقة تعيشها المملكة كل يوم إنه دعوة لكل سعودي ليرفع رأسه فخرًا بما أنجزه أسلافه، ويعمل بجد ليضيف فصلًا جديدًا إلى هذه الملحمة في هذا اليوم، يتجدد العهد بين الشعب وقيادته، مستلهما الماضي ليحقق آفاق المستقبل، ولتبقى المملكة رمزًا للأصالة والتجديد، كما كانت دائمًا.