كتاب واصل

الهوية الشخصية بين البناء والفقد

أ.د. أحمد بن محمد الحسين – أكاديمي سعودي

تعرف الهوية الشخصية بالسمة المميزة أو شخصية الفرد، أو البصمة المميزة، وهي مفتاح التعرف عليه من خلالها، كعلامة فارقة.

وبناء الهوية الشخصية عملية معقدة ومستمرة تتأثر بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية، للفرد نفسه؛ مما يضعنا في مأزق حقيقي عند البناء، والأهم دوما الاستمراروالثبات.

ومن المهم في هذا السياق النظر إلى بعض السمات العامة لهوية الفرد، لتأثيرها المستقبلي المتدرج، ومن ذلك:
– الوعي الذاتي:
ويشمل فهم نقاط القوة والضعف، والقيم، والأهداف الشخصية.
– الثقافة والقيم:
وتشمل التأثر بالتربية، العادات، التقاليد، والدين.
– الخبرات الحياتية:
وتشمل التجارب الشخصية، النجاحات، الفشل، والتحديات.
– العلاقات الاجتماعية: وتشمل التفاعل مع الأسرة، الأصدقاء، والمجتمع.
– الإنجازات:
وتشمل التعليم، العمل، والإسهامات في المجتمع.
– التفكير النقدي:
ويشمل القدرة على تحليل الأفكار واتخاذ القرارات المستقلة.
– التصورات المستقبلية والأفكار اللاحقة.

ومن المهم تحقيق شروط بناء الهوية الشخصية على النحو الآتي:
١/ الاستقلالية:
القدرة على اتخاذ القرارات دون التأثر المفرط بالآخرين.
٢/ التفاعل مع المجتمع:
المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية.
٣/ التعلم المستمر: اكتساب المعارف والمهارات الجديدة.
٤/ التوازن:
بين الهوية الفردية والانتماء الجماعي.
٥/ الصدق مع الذات: الاعتراف بالرغبات الحقيقية وعدم التظاهر بما لا يتوافق مع الشخصية.

وفي سياق مقالنا هذا، يمكن أن نوضح عدد من الفوائد التي قد تتحقق لبناء الهوية الشخصية ومنها:
١/ الثقة بالنفس:
فهم الذات يعزز الثقة والقدرة على اتخاذ القرارات.
٢/ الاستقرار النفسي: الشعور بالهوية الواضحة يقلل من التشتت والقلق.
٣/ تحقيق الأهداف:
الهوية الواضحة تساعد في تحديد الأولويات والسعي نحو النجاح.
٤/ العلاقات الصحية:
الفهم الواضح للذات يساعد في بناء علاقات قوية ومتوازنة.
٥/ الإسهام في المجتمع: الهوية القوية تمكن الفرد من المساهمة بشكل إيجابي في محيطه ومجتمعة في ضوء الأنظمة والقوانين الحاكمة.
وجميل المقالة تقديم بعض الأمثلة الحية التي بنت هويات ناحجة يفخر بها في مجتمعنا ودولنا العربية والعالمية مثل:
١/ صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد: نموذج سعودي وقدوة وملهم، عالمي الطرح والثقافة، بنى رؤيته رؤية المملكة ٢٠٣٠ التي أذكت الحماس في جميع بلاد العالم، وغدت قدوة ومقصد.
٢/ ستيف جوبز: بنى هويته على الإبداع والابتكار، وأسس شركة Apple التي غيرت عالم التكنولوجيا.
٣/ نجيب محفوظ:
بنى هويته الأدبية من خلال التركيز على الثقافة المصرية والإنسانية والحياة الواقعية، وحصل على جائزة نوبل في الأدب.
وهناك الآلف ممن لهم هويات وبصمات في دول العالم.
ونختم مقالتنا بتقديم بعض الخطوات العملية لبناء الهوية:
١/ التفكير في القيم: ومنها السؤال الأهم، ما المبادئ التي تؤمن بها؟ وتركز عليها؟
٢/ تحديد الأهداف: ومنها السؤال الأهم، ما الذي تريد تحقيقه في حياتك؟ هدفك؟
٣/ التجربة والمخاطرة: وفيها خوض التجارب الجديدة لتوسيع الآفاق.
٤/ التعليم الذاتي: القراءة، التعلم، التواصل والاستفادة من تجارب الآخرين.
٥/ التفاعل مع الآخرين: بناء شبكة علاقات تدعم نموك الشخصي.

وختاما نذكر إن بناء الهوية عملية ديناميكية تتطلب الصبر والتفاني، ولكنها تؤدي في النهاية إلى حياة أكثر إشباعًا وهدفًا، وتحقيا لمستقبل أجمل.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقالة قيّمة وعميقة، تبحر في معاني الهوية الشخصية بين البناء والفقد، لتضع أمام القارئ معالم واضحة لمسيرة الارتقاء بالذات. فقد أجاد الكاتب في طرحه، مستنيراً بمنهجية دقيقة تجمع بين البعد الفكري والتطبيقي، مستحضراً قيم الدين والثقافة، ومتلمساً أثرها في صقل شخصية الإنسان.

    إن الهوية الشخصية ليست مجرد عنوان يُطلق على الفرد، بل هي ميثاق بينه وبين الله، تُبنى على الصدق مع النفس، وتحقيق الاستقلالية الفكرية، والتفاعل الإيجابي مع المجتمع. وكما جاء في الحديث الشريف: “لا يكون أحدكم إمَّعَةً، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وَطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تُحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم.” فالإسلام يدعو إلى بناء هوية متفردة، تعتز بالقيم، وتسعى للرقي، ولا تكون تابعة بلا وعي.

    إن الإشادة بالنماذج الناجحة، من أمثال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الذي قاد التحول برؤية ثاقبة، وستيف جوبز الذي نقش اسمه في سجل الإبداع، ونجيب محفوظ الذي صاغ الهوية الأدبية لمصر والعالم العربي، تبرهن على أن الهوية ليست قالبًا جامدًا، بل هي مسيرة اجتهاد وعطاء.

    وختامًا، فإن بناء الهوية مسؤولية عظيمة، فهي أمانة في عنق كل فرد، يحاسب عليها أمام الله، وتنعكس آثارها على المجتمع بأسره. فطوبى لمن وعى قيمته، وسار في درب البناء، وصنع لنفسه أثراً يبقى، في الدنيا والآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى