العرض الخالد… تُباع فيه الراحة، ويُستأجر فيه الضحك
راضي غربي العنزي “كاتب سعودي”
قف للحظة. أغمض عينيك، واسمع صرير الزمن بين أصابعك، بينما المدن حولك تتلألأ كأنها مسرح ضخم للعرض الخالد… عرض تُباع فيه الراحة، ويُستأجر فيه الضحك، ويُؤجر فيه الفرح.
نحن في عصر يستطيع فيه المرء أن يمتلك العالم في جيبه، بينما روحه تتجول ضائعة في صحراء من الفراغ الداخلي.
تخيل هذا المشهد:
شوارع تتلألأ بالنيون، بينما قلوب المارة تعيش عتمةً أعمق من الليل.
أطفال يضحكون على الشاشات، لكن أعينهم تقول قصة غير مكتوبة، قصة فراغ يتسلل إلى أعماقهم.
البالغون يركضون خلف المال والترف، وكأنهما مفتاح السعادة، بينما الحقيقة التي يغفلون عنها هي أن السعادة لا تُشترى، ولا تُعرض على الشاشات، ولا تُقدّم في مقاهي المدن اللامعة.
نعم، السخرية هنا مرّة، لكنها صادقة: كل هذا الرفاه، وكل هذا التطور، لا يمكنه أن يملأ النقص الداخلي الذي يحمله كل منا، ولا أن يُشبع روحًا تبحث عن معنى حقيقي، عن يقين لا تهزه رياح الفرح الزائف أو صخب الدنيا.
الله عز وجل قال :
> “أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ؟” [الزمر:36]
هنا تنكشف المفارقة: كل رفاهية العالم لا تساوي شيئًا أمام قلب مطمئن، وكل ابتسامة زائفة لا تعادل لحظة من السلام الداخلي.
سخرية العصر تكمن في أننا نركض بلا توقف، نجمع المتع السطحية، ونعقد صفقات مع الوقت، وكأن الحياة لعبة لا نهاية لها، بينما الحياة الحقيقية تكمن في البساطة: لحظة تأمل، دعاء صادق، ابتسامة على وجه طفل، شعور بأنك في مكانك الصحيح مع نفسك ومع خالقك.
تخيل معي مسرحية الحياة:.
البشر يلتقطون كل إشارات العالم الخارجي، لكنهم يفشلون في قراءة الإشارات الداخلية: ضحكة لم تُشارك، دمعة لم تُبكِ، قلب لم يُسْمَع.
كل ابتسامة على الشاشات قد تكون أقنعة، وكل رفاهية قد تكون سلاسل ذهبية تُحبس بها الروح.
الفلسفة الخفية لعصرنا تقول: كل ما يلمع ليس ذهبًا، وكل ما يُعرض ليس حقيقيًا، وكل ابتسامة مُرَتبة على الشاشات قد تُخفي فراغًا أعمق من أي صحراء.
والمفارقة الأكثر صدقًا وسخرية: كلما اقتربنا من التكنولوجيا، وكلما زادت وسائل الراحة، أصبح فراغ الروح أوسع، لأن السعادة الحقيقية لا تُصنع، ولا تُشترى، ولا تُعرض على واجهات المدن اللامعة.
السعادة الحقيقية هي تجربة داخلية، لحظة صادقة من الطمأنينة، إدراك بأنك لست مجرد متفرج على حياة الآخرين، بل صانع معنى لحياتك.
أيها القارئ… تذكر: كل ما حولك قابل للزوال، الأبراج، الشاشات، السيارات، وحتى الأشخاص… أما ما في قلبك من رضا وسلام داخلي… فهو خالد، يتحدى كل رفاهية زائفة، وكل ضجيج العصر، وكل سخرية العالم المتمدن.
وهكذا، في عالم يبيع كل شيء، لا تنس أن تشتري لنفسك شيئًا واحدًا لا يُشترى: الطمأنينة، واليقين، والسلام الداخلي.