مؤشر اللغة العربية وواقع استخدامها وانتشارها
يعد مؤشر اللغة العربية من حيث استخدامها وانتشارها موضوعًا مثيرًا وذو جوانب متعددة، وفرصة للباحثين والمراكز البحثية وطلاب الدراسات العليا.
فاللغة العربية هي واحدة من أكثر اللغات تحدثًا في العالم، حيث يقدر عدد الناطقين بها بحوالي ٤٥٠ مليون شخص حول العالم، وتعتبر لغة رسمية في ٢٥ دولة عربية، بالإضافة إلى كونها لغة رسمية في عدد من المنظمات الدولية كالأمم المتحدة.
لكن إذا نظرنا إلى “مؤشر استخدام اللغة العربية”، فإننا نجد أن هناك تحديات وواقعًا معقدًا يتشكل من عدة عوامل:
١- الانتشار الجغرافي: اللغة العربية منتشرة في مناطق واسعة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي تتنوع بشكل كبير بين اللهجات المحلية (مثل اللهجات المصرية، الشامية، الخليجية) والعربية الفصحى. الفصحى تُستخدم بشكل رسمي في التعليم والإعلام، ولكن في الحياة اليومية، تتباين اللهجات بشكل كبير من بلد لآخر.
٢- استخدامها في الإعلام: في وسائل الإعلام، اللغة العربية الفصحى هي السائدة، لكن هناك محاولات لتوسيع استخدام اللهجات العامية في البرامج التلفزيونية والأفلام. الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في تزايد استخدام اللهجات المحلية بشكل أكبر، مما أثر في انتشار اللغة بشكل غير تقليدي.
٣- التحديات التقنية: رغم وجود جهود كبيرة لتطوير أدوات تقنية باللغة العربية (مثل محركات البحث، والتطبيقات، والبرمجيات)، لا يزال استخدام اللغة العربية في العالم الرقمي يتعرض لعدد من العقبات مثل قلة المحتوى الرقمي مقارنة باللغات الأخرى، وصعوبة الكتابة على بعض الأجهزة بسبب التنسيق الذي يخص اللغة العربية.
٤- التعليم والكتب: هناك تركيز كبير على تعليم اللغة العربية الفصحى في المدارس والجامعات، مما يساهم في الحفاظ على اللغة على الرغم من التنوع الكبير في اللهجات. ومع ذلك، يواجه بعض الناطقين بها تحديات في تعلمها بالشكل الصحيح، خاصة في مجالات النحو والصرف.
٥- الانتشار عالميًا: بخلاف الدول العربية، توجد أيضًا مجتمعات كبيرة من الناطقين بالعربية في أماكن مثل تركيا، إيران، وتشاد، إضافة إلى جاليات كبيرة في الغرب، خصوصًا في أوروبا وأمريكا، حيث يتزايد الاهتمام بتعلم العربية لأغراض دينية، ثقافية، وتجارية.
وللغة العربية تأثير كبير في العديد من مناحي الحياة المختلفة، من الثقافة إلى العلوم والتكنولوجيا، مرورًا بالإعلام والسياسة. إليك بعض المجالات التي يظهر فيها هذا الأثر بشكل واضح:
١- العقيدة الإسلامية:
اللغة العربية لها مكانة مركزية في الديانة الإسلامية.
فالقرآن الكريم هو المصدر الأساس للتعاليم الإسلامية، وقراءته باللغة العربية تُعدّ أمرًا محوريًا لفهم الدين والتفسير الدقيق للنصوص.
كذلك، تعتبر الصلاة في الإسلام عبادة يجب أن تُؤدى باللغة العربية، مما يجعلها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحياة الروحية للمسلمين في مختلف أنحاء العالم.
٢- العلوم والمعرفة:
في العصور الوسطى، كانت اللغة العربية أداة أساسية في نقل وتطوير العلم والمعرفة، والعلماء العرب والمسلمون قاموا بترجمة وحفظ الكثير من الكتب العلمية من اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية، وأجروا عليها العديد من الإضافات والتطويرات.
واللغة العربية كانت اللغة السائدة في الطب، الفلك، الرياضيات، الفلسفة، والجغرافيا حتى القرن السابع عشر. على سبيل المثال، الكثير من المصطلحات العلمية الحديثة في الطب والفلك ما زالت تحوي جذورًا عربية.
٣- الثقافة والأدب:
اللغة العربية تعتبر من أعرق اللغات الأدبية في العالم.
ويعد الأدب العربي بما يمتاز به من تنوع غني، سواء من حيث الشعر أو النثر.
وكذلك من الأدب الكلاسيكي مثل “ألف ليلة وليلة” و”المعلقات”، إلى الأعمال الأدبية الحديثة التي كتبها عمالقة الأدب العربي .
وتعد اللغة العربية مصدرًا هامًا للفنون الأدبية والفكرية التي تجسد التجارب الإنسانية المتنوعة.
٤- الإعلام والاتصال:
اللغة العربية تلعب دورًا محوريًا في الإعلام العربي سواء على مستوى الصحف، القنوات الفضائية، أو مواقع الإنترنت.
ومع انتشار القنوات الإخبارية الفضائية مثل “الشرق والعربية والجزيرة”، أصبحت اللغة العربية وسيلة فعّالة في نقل الأخبار والمعلومات على مستوى عالمي. كذلك، يُستخدم الإعلام العربي للتأثير في السياسة والمجتمع، وله دور كبير في تشكيل الرأي العام في العالم العربي.
٥- التجارة والاقتصاد:
اللغة العربية تسهم في تسهيل الأعمال التجارية في البلدان العربية وعلى مستوى العالم، خصوصًا في دول الخليج التي تعتبر من أكبر الاقتصاديات في المنطقة.
وتتعدد مجالات التجارة والاستثمار في هذه الدول، مما يجعل اللغة العربية أداة أساسية في الأعمال والعلاقات التجارية مع الشركات الدولية، بالإضافة إلى ذلك، اللغة العربية هي لغة أساسية في المؤسسات المالية الكبرى، مثل المصارف الإسلامية.
٦- العلوم الاجتماعية والسياسية:
اللغة العربية تلعب دورًا مهمًا في الحياة السياسية والثقافية في الدول العربية، ويتم تداول الخطابات السياسية، الوثائق القانونية، والدساتير باللغة العربية، كما أن للغة تأثيرًا قويًا في الوعي الوطني والقومي، حيث يتم استخدام العربية لتعزيز الهوية الثقافية في مواجهة التأثيرات الغربية.
وبعص الحركات السياسية، على سبيل المثال، استخدمت اللغة العربية كأداة للوحدة السياسية والثقافية.
٧- الترجمة والمصطلحات:
اللغة العربية أسهمت أيضًا في تطوير مجالات الترجمة والمصطلحات، سواء من خلال ترجمة الأعمال الأدبية أو العلمية من لغات أخرى إلى العربية أو العكس.
وتمثل الترجمة جسرًا ثقافيًا مهمًا، حيث ساعدت في تواصل العالم العربي مع باقي الأمم، وساهمت في نقل العلوم والفنون عبر العصور.
٨- السينما والموسيقى:
اللغة العربية تلعب دورًا مهمًا في صناعة السينما والموسيقى في العالم العربي. الأفلام العربية تحاكي قصص المجتمع العربي، وتعرض الثقافة والتاريخ. أيضًا، تعتبر الأغاني العربية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في كثير من البلدان، وتنتشر بشكل كبير في العالم العربي والعالمي بفضل قدرة اللغة العربية على التعبير عن الأحاسيس والمشاعر بطريقة شاعرية.
٩- التكنولوجيا والتقنية:
رغم أن اللغة العربية تواجه بعض التحديات في مجال التكنولوجيا، إلا أن هناك جهودًا مستمرة لتطوير أدوات وتقنيات لدعم اللغة العربية في الإنترنت والتطبيقات البرمجية.
وعلى سبيل المثال، تم تطوير محركات بحث باللغة العربية، وكذلك برامج تعليمية وتطبيقات تهدف إلى تعليم العربية للأطفال والكبار.
وفي صدد الحديث عن المؤشر لايفوتني الحديث عن إنطلاق مؤشر اللغة العربية لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الذي دشن صباح يوم الثلاثاء ٢٩ رجب ١٤٤٦ الموافق ٢٩ يناير ٢٠٢٥ والمؤمل منه كماتشير أهدافه إلى رصد كمي وكيفي لواقع واستخدام اللغة العربية حول العالم .