كتاب واصل

اسمع…قلبي…! “Listen… My Heart…!”

«وكل نبضة قلب تهمس لك بأن الله معك… تصبح اللحظة عالماً بأسره، والسكينة ثورة صامتة في داخلك، لا يراها إلا من عرفه قلبه.»

✒️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

لم يخلق الله الإنسان ليعيش كصفحةٍ مبلّلة تهفّ بها رياح الدنيا كيفما شاءت… بل خلقه ليقف، ويعي، ويشمّ رائحة الحقيقة مهما اختبأت. والحقيقة — كل الحقيقة — أنك لا تعيش الحياة الطيبة لأنها جميلة… بل لأنها موصولةٌ بالله الواحد الأحد. وكل ما تراه في العالم من صراخ وانهيارات وتقلّب مزاجيّ لكائنٍ اسمه الإنسان، ما هو إلا فراغ يبحث عمّن يملأه، وضياع يبحث عن الاتجاه الوحيد الذي لا يضلّ: الاتجاه إلى الله.
ولأن القلوب حين تقترب من الله تُصبح كمدينة او مدن تضيء وحدها بلا مولّدات، فإنك تشعر بحياةٍ لا تُفسَّر، حياةٌ لو حاول ابن عربي أو أفلاطون أو نيتشه تفكيكها لعجزوا؛ لأن الفلسفة تستطيع وصف الطريق، لكنها لا تستطيع خلق النور… والنور من الله وحده.

هنا يبدأ كل شيء… حين تتوقف عن مطاردة الحياة، وتدرك أن الحياة الحقيقية هي التي تأتيك عندما تُقبِل على الله. كل ما عدا ذلك — نجاح، شهرة، مال، تصفيق — مجرد ضجيجٍ مزخرف يلمع قليلاً ثم ينطفئ. أما ما كان لله… فيبقى، ويملأ القلب حتى آخر قطرة من الطمأنينة.

الحياةُ الطيبة ليست وفرة مال ولا صخب نجاح، بل عطية يمنّ الله بها على من يشاء من عباده، وعدٌ إلهيٌّ كريم قال عنه سبحانه وتعالى: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾. وكلما ازداد العبد قرباً من ربّه الكريم، زاد الله قلبه نوراً، ووهبه من الطمأنينة ما لا يمنحه أحدٌ سواه، بلا تمثيل أو تصوير، بل إيمان صافي بأن الله وحده هو المُنعم، الحفيظ، الوليّ، الذي لا يُشبِهه أحد، ولا يُقاربه وصف.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه». وهذه الحكمة تصف جوهر الطمأنينة: أن قلب العبد المرتبط بالله يثق بالربّ القادر على كل شيء، ويعلم أن كل أمره خيرٌ ما دام الله حفيظاً ووليّاً.

ولأن الإنسان بطبيعته يبحث عن الاستقرار في عالم سريع، فإنه يعود إلى الله كلما خسر طريقه. وحده الله — سبحانه المتعال عن كل نقص — الذي يُبدّل وحشة القلب أماناً، وضجيج الأفكار سكينة، دون أن يحتاج العبد لشيء سوى صدق التوجّه إليه.

قال الفيلسوف أرسطو: «غاية الإنسان أن يعيش خيراً»، وهو لم يعرف أن الخير الحقيقي لا يُمنح إلا لمن اختار الله قبل نفسه. وقال ابن خلدون: «الطمأنينة أساس كل عمل صالح، وراحة القلب لا يُدركها إلا من وصل إلى الحق». تلك الحكمة تكفي لتفهم أن السعادة لا تُقاس بما تملك، بل بما تعيشه من رضى داخلي.

ولأن القرب من الله ليس شعوراً مجرّداً، بل أثرٌ يُرى في حياة الناس، دعني أحكي لك حكاية تصلح أن تكون مثالاً حيّاً على الفلسفة العملية.
شابٌ بسيط يعمل في التوصيل فقد هاتفه فجأة، وتعطلت دراجته النارية، وخصم رئيسه من راتبه، وجلس على الرصيف يبتسم رغم ضيق الحال. قال لنفسه: “ما دام الله معي، فالأمر كله خير”. وفي اليوم التالي، وصلته مكالمة قبول في وظيفة أفضل بثلاثة أضعاف راتبه، وفي المكان نفسه الذي كان يقف عند بابه موظفاً في التوصيل.
هكذا تتجلى الطمأنينة: ليست في الظروف، بل في قلبٍ واعٍ بأن كل شيء بيد الله الواحد القهار، العادل الحكيم الكريم.

اقرأ تاريخك الشخصي جيداً…
حين ضاق صدرك، من الذي وسّعه؟
حين تعبت، من الذي قوّاك؟
حين بكت روحك، من الذي ربت عليها بلطفه؟
كان الله… وسيبقى الله.

المؤمن الذي يعرف قدر الدنيا لا يحتقرها، بل يعرف حجمها الحقيقي…! صغيرة، مؤقتة، لا تستحق الانكسار. لأن الله أكبر من كل مخاوفه، وأوسع من كل أزماته، وأقرب إليه من دقّات قلبه التي لا يراها ولا يسمعها… لكنه يعلم أنها تحت حفظ الله ورحمته.

وفي النهاية… ستكتشف أنك كنت تركض خلف أبواب لا تُفتح لأنها ليست لك، وتبتعد عن باب واحد كان ينتظرك منذ البداية… باب الله. وأن كل حكمة قرأتها، وكل كتاب قلبته، وكل جدار اصطدمت به، كان يدفعك دفعاً لتفهم أن الله وحده — الواحد الأحد — هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذا العالم المتقلّب.

وسيأتي يوم — قد يكون قريباً — تضحك فيه على خوفك القديم، وتبتسم على ذلك الشخص الذي كنتَه حين ظنّ أن رزقه بيد الناس، وأن طمأنينته بيد الظروف، وأن حياته تتشكل حسب فوضى العالم. وستقول لنفسك بامتنان:
“ما دام الله معي… فماذا يمكن أن يأخذ العالم مني؟”

هكذا تنتهي القصة… ليس بنهاية خارجية، ولا بمشهد مثالي… بل بانتصار داخلي يليق بعبدٍ عرف ربّه، فصار يرى الدنيا كمشهدٍ قصير يمرّ، بينما البقاء كله لله الواحد القهار.
وهكذا فقط… تبدأ الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده، حياة لا تُقاس بالسنوات بل بقربٍ لا يزول، ونورٍ لا يُطفأ، وطريقٍ موصول بالله وحده.

● ابتسم … فهناك من يحبك ويكتب لأجلك!

■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى