الجسر..الزجاجي ! The Glass Bridge
«وفي رحمة الله وحده، تُعاد الأرواح من حافة التيه إلى سكينةٍ تُشبه احتضان الضوء حين يتسلل إلى قلبٍ كان يظن أنّه انتهى.»

✒️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
في هذا العالم الذي يشبه تَبَريزًا من قصص متشابكة، وفسيفساء من وجوه تُخفي أكثر مما تُظهر، يقف بعض الناس في متاهة داخلية صامتة، ممّن يعرفون كيف يبتسمون ليعبروا فوق الوجع دون أن يتعثروا. يبدون عاديين، لكنهم في الحقيقة يعيشون في مسرحٍ معقد الحبكات، تمتلئ كواليسه بأشياء لا يسعها الضوء، ويسكنه همسٌ لا يسمعه إلا الله، الذي ينسج بخفى قدرته خيط الطمأنينة في القلوب.
ذلك النوع من البشر لا يضحك لأنه بخير، بل يضحك لأن الانهيار لم يعد خيارًا في ذلك اليوم. يروي النكات كما تُروى كلماتٌ تُقال فقط لتكسر ثِقَل الصمت، لا لتصنع ضحكًا حقيقيًا. ينشغل بانضباطٍ عجيب، لأن الفراغ يفتح أبوابًا لا يريد دخوله. يبتسم بنصف عينه، بينما النصف الآخر يتربص بدمعة تنتظر لحظة ضعفٍ لا يمنحها لها.
يكتب عن السعادة كأنه يكتب وصيةً فخمة، كأن حروفه آخر ما سيتركه في هذا العالم الملوّن الذي يدّعي الفرح. ويعانق الآخرين بحفاوةٍ مفاجئة لأنه يريد إقناع نفسه أنه ليس في حاجة إلى من يعانقه. تلك القوة المصنوعة من الخوف، تلك الشجاعة التي يعبر بها الشوارع كما لو أنه فوق جسرٍ زجاجي يخاف أن ينكسر، تشبه بطولة لا تُمنح وسامًا علنيًا، بل يراها الله في قلبه ويثبّته بسلطانه.
يظهر في التفاصيل الصغيرة: في ردوده القصيرة، في ابتسامته المرقّعة، في حبه للهدوء الذي يخلّصه من التفكير. لكنه ينهض كل صباح لأن رحمة الله تنظم خطواته كما تُنظم القصيدة على وزنٍ متّسق، ولأن ربه القريب لا يخذله، بل يعيد تشكيله من جديد.
قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾؛ معك في صمتك، ومعك في قلقك، ومعك في كل الطرق التي تخاف أن تسلكها وحدك.
وقال النبي ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير…»، حتى ذلك الألم الذي تخفيه، يحمل في داخله بذرة خيرٍ لا تراها الآن.
ولأن الله يُرسل إشاراتٍ صغيرة وسط الغبار اليومي، سأروي لك قصة قصيرة من هذا العصر.
رجلٌ عُرف بابتسامة عريضة، كأنه بائع بهجة متنقل. كان يحمل همومًا لا تنتهي، لكنه لا يسمح لها بالظهور. فقد عمله، وتعثرت حياته، وبقي صامدًا كمن يعبر معركة لا يملك رفاهية الانسحاب منها. في إحدى الليالي جلس على رصيف ضيق، منهكًا. رأى طفلًا يسقط عن دراجته ثم يقف وهو يقول: «الوقوع مو نهاية… النهاية إذا لم أقف ».
ضحك الرجل ضحكة تشبه خروج نافذة مغلقة إلى هواءٍ جديد. وبعد أسابيع تبدلت أحواله، وتفتّحت له أبواب لم يظن أنها ستُفتح. كان يردد بعدها: «الله إذا أعطى… يعطيني بطريقته، لا بطريقة توقعي».
والفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس قال: «إن روح الإنسان أقوى مما يظنه، لكنها تحتاج فقط أن تتذكر من أين جاء ثباتها».
وهذا الثبات — حين يتشابك مع الإيمان ويُسقى من رحمة الله — يصير قوةً تتجاوز أشدّ العواصف.
في هذا العالم الغني بالتفاصيل، المعاد تصوّره كل يوم، يواصل أولئك الهادئون الذين يخفون تعبهم السير بين الناس، كأن وجوههم موانئ آمنة، وكأن قلوبهم مختبر تعبره كل العواصف ولا تكسرهم. العالم لا يعرف مقدار ما يواجهونه، لكنه يشعر بلمسة مختلفة تصدر عنهم: رقة الفراشة، وصمت الحكيم، وابتسامة الناجي.
الخاتمة المجنونة:
في نهاية هذا المسار المتشابك، يبقى ذلك الإنسان الذي يخفي وجعه ويقف رغم كل شيء، واحدًا من أجمل الكائنات التي خلقها الله. يواصل السير لأنه يعرف أن الله ينسق له الطريق بقدرٍ مُحكم. يبتسم لأنه تعلم أن البكاء لا يليق إلا بينه وبين ربّه. ويتجاوز خوفه لأن الله — وحده — يمنحه من القوة ما لا يمنحه العالم كله.
وإن رأيته يضحك… فاعلم أن هذا الضحك ليس هروبًا، بل إعلانًا بأنه ما دام الله معه، فلن يكون للإنكسار سلطان عليه يومًا.
●أبتسم …فهناك من يحبك ويكتب لأجلك !
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com



