” الناقلون الصادقون : شركاء العلماء – في الأجر والأثر – وناشرو الخير في المجتمع “
من يزرع الكلمة الطيبة .. يحصد أثرها خيراً

✍️ فهد الرياحي
في وقت تتسابق فيه الأخبار وتتسارع المعلومات، وتكثر فيه المنصات، يظل الناقل الأمين الميزان الذي يعيد للكلمة قيمتها، وللمعلومة مسؤوليتها، وللخبر أمانته.
يظل الناقلون “منارات مضيئة للخير”، أولئك الذين ينقلون نور العلم والمعرفة والموعظة والحكمة، ناشرين مواعظ العلماء والمشايخ، ليصل أثرها إلى كل بيت، ويغرسوا بذور الوعي في كل قلب. فتصبح أفعالهم صدى طيباً يمتد في المجتمع.
ليس كل ناقل مبلغاً، فبين من ينقل بفهم ووعي، ومن ينقل دون تثبت، مسافة تفرق بين النور والضباب. الناقل الصادق لا يكتفي بالنسخ، بل يختار الكلمة الطيبة كما يزرع المزارع غرسًا يقدر أثره، لينبت ويثمر خيراً في القلوب.
بين من ينقل “للسبق”، ومن ينقل “للحق” . يبقى الناقل الأمين هو المعيار الذي يعيد للنشر وزنه، وللكلمة معناها. الناقلون الحقيقيون ليسوا مجرد وسطاء للمعلومة، بل هم شركاء في نشر العلم وصناعة الوعي. يحملون في حروفهم نية صادقة، ويجعلون من النقل عملاً صالحاً، ومن الكلمة رسالة تودي إلى الهداية والبصيرة.
وفي جوهر هذا الدور الإنساني، تتجلّى قيمة المشاركة في نشر العلم، فكل من نقل علماً نافعاً أو حكمة صادقة أو تذكيراً مؤثراً، نال أجر المبلغ وأثر العامل . لأن الخير لا يقف عند العالم وحده، بل يمتد عبر قلوب الناقلين الذين يُحيون الكلمة ويجعلونها أثراً.
إنهم شركاء العلماء في الأجر، ومجددو الأمل في المجتمعات، يحملون رسالة لا تتوقف عند النقل، بل تتجاوزها إلى بناء وعي راقٍ يعيد للمعرفة مكانتها الرفيعة.
قال الله تعالى:
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، ليبين فضل الدعوة ونقل الخير،
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، مشيرًا إلى أثر التذكير في حياة الناس،
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، دلالةً على أن التعاون على الخير من أهم أعمال الناقلين الأمينين.
وفي السنة النبوية المباركة، جاء التأكيد على هذا الدور العظيم:
قال ﷺ: «بلّغوا عني ولو آية»، ليحثّ كل مسلم على نقل الخير ونشر العلم،
وقال أيضًا: «كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سمع»، مذكّرًا بضرورة التثبت قبل نشر أي معلومة.
فكل ناقل للخير أو مذكّر بالمعروف، له نصيب من الأجر، وأثر لا ينقطع ما دام الخير يسري من كلماته إلى قلوب الناس.
المبلّغ لا يكتفي بالاستماع، بل يشارك في نشر الدين وإحياء السنة، وقد يكون أجره أعظم من أجر من هو أفقه منه، لأن نقل العلم وإيصاله إلى القلوب يثمر أثرًا عميقًا يمتد في المجتمع ويستمر عبر الأجيال.
مع التحول الرقمي وانتشار الإنترنت عالي السرعة، لم يعد النشر مقتصراً على الصحف والمنابر، بل أصبح كل هاتف متصل بالشبكة وسيلة لنقل ونشر الأثر الطيب النافع في المجتمع عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ومع هذه القدرة تأتي مسؤولية عظيمة في التثبت من المعلومات ونشر الخير والقيم الدينية والاجتماعية والعلمية، مع الالتزام بالمبادئ والقيم في كل كلمة تُكتب أو تُنقل، ليكون أثرهم إيجابياً ومثمراً في حياة الناس.
لقد جعل هذا التحول من كل مؤثر صوتاً مسموعاً. لذلك، فإن الناقل الواعي والمؤثر الأمين هما حجر الأساس في بناء محتوى راقٍ ومسؤول يتحرّيان الصدق ويتثبتان من المعلومة، وينشران ما ينفع الناس في دينهم ووطنهم ومجتمعهم.
لا يركضون خلف شهرة زائلة أو تفاعل عابر، بل يحرصون على أثر باقٍ وكلمة تثمر خيراً في السلوك والوعي المجتمعي. فكل معلومة صحيحة، أو حكمة منقولة، أو موعظة مأثورة، هي بذرة وعي تثمر إيماناً وفضيلة، كما أن الغرس الطيب لا يُثمر إلا ثمراً حسناً.
الخاتمة:
إن نقل الخير مسؤولية، ونشره عبادة، وأثره باقٍ ما بقيت الكلمة صادقة والنية خالصة.
فمن أحيا سنة، أو نشر علماً، أو نقل نصحاً، فله مثل أجر من عمل به، كما قال ﷺ: «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده».
إن الناقلين الأمناء هم صُنّاع الأثر الهادئ، وجسور الخير الممتدة، وشركاء العلماء في الأجر. بهم تستمر رسالة الوعي، وتبقى الكلمة منارة لا تنطفئ، تزرع في القلوب نوراً، وفي العقول بصيرة، وفي المجتمعات صلاحاً يدوم .


