الإتيكيت… سرّ تميّز الرجل المعاصر
د.خالد الغامدي اخصائي نفسي وخبير تربوي
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتغيّر فيه المظاهر، يبقى الإتيكيت عنواناً للرقي والاحترام، ومرآةً تعكس ذوق الرجل وثقافته وحضوره. فالرجل المعاصر لا يُقاس فقط بأناقته الخارجية، بل بطريقة تعامله ولباقته في مختلف المواقف. والإتيكيت ليس ترفاً اجتماعياً أو تصنّعاً في السلوك، بل أسلوب حياة يدل على النضج والوعي، ويُعبّر عن احترام الإنسان لنفسه ولمن حوله. تبدأ الأناقة من التفاصيل البسيطة، فالنظافة الشخصية والهندام المرتب واختيار الملابس المناسبة للزمان والمكان عناصر أساسية في تكوين الصورة الأنيقة للرجل. كما أن العناية بالحلاقة والإكسسوارات البسيطة كساعة اليد والنظارات تُضفي لمسة من الرقي دون مبالغة. والالتزام بالمواعيد من أبرز دلائل الذوق، فالوصول في الوقت المحدد أو قبله بدقائق يعكس احترام الآخرين وتنظيم الوقت. في الاجتماعات والمناسبات الرسمية، الحديث اللبق والإنصات الجيد من أهم مفاتيح النجاح، فكن مستمعاً أكثر مما تتحدث، ولا تقاطع أحداً أثناء حديثه، وأظهر اهتمامك بالمتحدث عبر التواصل البصري المتوازن، مع تجنّب الانشغال بالهاتف أو النظر بعيداً، فهذه السلوكيات البسيطة تُظهر ثقتك بنفسك واحترامك للآخرين. أما في استخدام الهاتف، فهناك قواعد تعبّر عن حسن الذوق، مثل اختيار نغمة هادئة، والابتعاد عن المكالمات أثناء الاجتماعات أو الزيارات، وعدم استخدام السماعة الخارجية دون إذن. ولا يليق الرد على هاتف شخص آخر أو التحدث أثناء تناول الطعام أو القيادة، فهذه التصرفات البسيطة تُظهر مدى وعي الإنسان بذوقيات التعامل. وفي بيئة العمل، من الإتيكيت أن تستأذن قبل دخول مكاتب الآخرين، وألا تعبث بأغراضهم أو أوراقهم. وإذا كنت صاحب المكتب، فابدأ بالترحيب بالزائر وصافحه بابتسامة ودعه يجلس في المكان المخصص له، وعند انتهاء اللقاء رافقه حتى باب المكتب، فهذه اللفتات الصغيرة تترك أثراً كبيراً في نفوس الناس. حتى طريقة الجلوس لها تأثير في تكوين الانطباع الأول، فاجلس باستقامة وتجنب هزّ الساقين أو الاتكاء المبالغ فيه، واحذر من الجلوس بطريقة تُظهر باطن القدم نحو الآخرين، لأن الجلسة الصحيحة تعبّر عن الثقة والاحترام معاً. ويمتد الإتيكيت إلى الطرقات أيضاً، فـ«القيادة فن وذوق»، والسائق الملتزم هو من يحترم القوانين ويُراعي المشاة ويتجنب استخدام المنبّه إلا عند الضرورة. كما أن الحفاظ على نظافة السيارة واحترام مواقف ذوي الاحتياجات الخاصة من علامات الوعي والمسؤولية. وعند زيارة المريض، تذكّر أن المستشفى ليس مكاناً للقاءات الاجتماعية، فاتصل مسبقاً للاستئذان، واجعل زيارتك قصيرة وهادئة، وابتعد عن تقديم الزهور أو النصائح، فالكلمة الطيبة والدعاء الصادق هما أجمل ما يُقدّم. وفي الأخير الإتيكيت ليس مظهراً خارجياً فحسب، بل هو سلوك يعكس جوهر الإنسان ويكشف عن مدى احترامه للآخرين. فالرجل الأنيق حقاً هو من يجمع بين المظهر الراقي والتصرف المهذب، ويترك أثراً طيباً أينما حلّ.


