فن الإتيكيت يعود بقوة: سلوك راقٍ يبدأ بتحية وابتسامة”
د.خالد الغامدي اخصائي نفسي وخبير تربوي
نحن في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، تزداد الحاجة إلى الحفاظ على القيم الراقية والسلوكيات الرفيعة التي تضمن الاحترام المتبادل بين الناس. وهنا يبرز فن الإتيكيت كواحد من أهم الفنون الإنسانية والاجتماعية التي يجب على كل شخص تعلّمها وتربية أطفاله عليها، لما له من أثر في بناء مجتمعات متحضرة ومتزنة. الإتيكيت ليس مجرد تصرف اجتماعي، بل هو مرآة تعكس شخصية الفرد وأخلاقه وثقافته. وكلما كان الإنسان أكثر تهذيبًا ولباقة، كلما ازدادت مكانته في قلوب الآخرين. الإتيكيت هو فن التعامل الراقي الذي يعكس احترام الإنسان لنفسه وللآخرين، ويُعد من أهم المهارات الاجتماعية التي يجب أن يتحلّى بها كل فرد في المجتمع. فهو ليس مجرد شكليات أو تقاليد، بل أسلوب حياة يساعد على تعزيز الاحترام المتبادل، ويعكس ثقافة الفرد وبيئته وأخلاقه. أصل كلمة إتيكيت فرنسي، وتعني “بطاقة”، وقد ظهرت أولى قواعده في بلاط لويس السادس عشر حيث وُضعت قوائم تحدد السلوك واللباس المناسبين لكل مناسبة. وأصبح المعنى الأوسع هو “قواعد السلوك اللائق” أو “فن التعامل الراقي” الذي يطبق في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والمهنية إلا أن جذور الإتيكيت أعمق من ذلك بكثير، فقد عرفته الحضارات القديمة مثل المصرية والسومرية واليونانية والرومانية، كما مارسه العرب والمسلمون منذ فجر الإسلام، وكانوا سبّاقين في تطبيقه. فقد أشار كُتاب ومؤرخون إلى أن الإسلام سبق الغرب بمئات السنين في وضع قواعد للسلوك الاجتماعي الراقي، وقد تجسدت هذه القيم في سلوك النبي محمد ﷺ، الذي كان مثالًا للخلق الحسن واللباقة. فقد قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”، كما جاء في الحديث: “رحم الله عبدًا قال خيرًا فغنم أو سكت فسلم”. ومن الأحاديث أيضًا “إياكم والجلوس في الطرقات”، فإذا حدث فلابد من إعطاء الطريق حقه من غض البصر وكف الأذى ورد السلام. هذه الأحاديث تعكس بوضوح أن الإتيكيت جزء لا يتجزأ من تعاليم الإسلام، وهو ليس دخيلًا أو بدعة غربية، بل هو صورة من صور تهذيب النفس والرقي في التعامل. الإتيكيت يعتمد على مراعاة مشاعر الآخرين، والتحلي باللباقة والذوق السليم، سواء في الحديث، أو التعامل، أو المظهر، أو المجاملات الاجتماعية. ومن المواقف اليومية التي تتطلب الالتزام بالإتيكيت: التحية، والتي تُعد مفتاح العلاقات الاجتماعية. فمن آدابها أن يُلقي الصغير التحية على الكبير، والماشي على الجالس، والقادم على المقيم، وأن يتم الرد على التحية بلطف، مع الابتسامة وبشاشة الوجه، وعدم بدء الحديث إلا بعد إلقائها. هذا النوع من السلوك يفتح باب الألفة ويعزز الاحترام المتبادل. الإتيكيت لا يتعارض مع الدين أو العادات الأصيلة، بل يعززها ويُظهر أجمل ما في الإنسان من احترام وتهذيب. وقد أدرك المسلمون منذ القدم قيمة هذه السلوكيات، فخصّص علماء مثل الإمام البخاري كتبًا لأدب الحياة، وأكدوا أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما المرجع الأول لكل خلق حسن. ومع تطور المجتمعات وتغيّر أنماط الحياة، أصبح التمسك بهذه القواعد ضرورة للحفاظ على روح الاحترام واللباقة. فالسلوك المهذب ليس مجرد انعكاس لحضارة الشخص، بل هو أساس النجاح في الحياة الشخصية والاجتماعية. ولهذا يجب أن نغرس هذه القيم في نفوس أبنائنا، ونُعيد الاعتبار لها في حياتنا اليومية، لنرتقي بأنفسنا وبمجتمعنا إلى مصاف المجتمعات الراقية.
في الختام اقول الإتيكيت هو أسلوب حياة، لا يُقاس بالمظاهر ولا بالأزياء، بل بمدى احترامنا للآخرين، وحرصنا على مشاعرهم، ولباقتنا في المواقف المختلفة. ومن هذا المنطلق، فإن العودة إلى القيم الإسلامية والسلوكيات الراقية التي نشأنا عليها، هو السبيل الأجمل نحو مجتمع أكثر احترامًا وتسامحًا.
فلتكن بداية كل تعاملاتنا بـ”السلام عليكم”… ولنحرص على أن نترك في كل لقاء أثرًا طيبًا.