﴿ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
○ إذا ظننت أن الله قد ابتعد، فاعلم أن قلبك هو الذي أدار ظهره ، أما هوسبحانه وتعالى… فما زال قريبًا، أرحم بك من نفسك…..
✍️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
يا الله… ما أعذب هذا السؤال الإلهي، وما أعمق وقعه في القلب !
﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾…
آية واحدة، لكنها تفتح في النفس أبوابًا من الدهشة والسكينة، كأنها تسقي أرواحًا أنهكها الجفاف ، وتقول برقةٍ لا توصف:
ارجعوا إليّ… فما أبعدتكم إلا لتعرفوا كم أنا قريب.
حين يتلوها المؤمن بقلبٍ مكسور، يذوب كبرياؤه ، وتتوه أنفاسه ، لأنّه يدرك أن هذا السؤال ليس توبيخًا ، بل عناقًا من نور .
سؤال يحمل بين حروفه وعدًا خفيًّا :
أنّ الله لا يُعامل عباده بقدر أعمالهم، بل بقدر ظنونهم فيه .
فمن ظنّ بربّه خيرًا، رأى خيرًا يتدفق عليه من حيث لا يحتسب.
قال رسول الله ﷺ فيما رواه مسلم:
> قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني.
هكذا علّمنا سيّد الخلق ﷺ أن حسن الظن بالله عبادةٌ لا تُرى ، لكنها تفتح أبوابًا لا تُغلق .
○ إنها عبادة القلب حين يتعب الجسد ، ونجاة الروح حين يعصف بها البلاء .
تأمّل يا أيها المنهك…
كم مرةً نجاك الله دون أن تدري ؟!!
كم مرةً سدّ عنك طريقًا كنت تراه خلاصك، فإذا هو مهلكتك؟!
كم مرةً أخّر عنك شيئًا ، ثم عرفت بعد حين أنه لم يؤخّره إلا ليحفظك من وجعٍ أكبر ؟!
قال ابن القيم رحمه الله:
> من ملأ قلبه من حسن الظن بالله، ملأ الله حياته نورًا ورضا.
وقال الحسن البصري:
> إنّ العبد ليذنب، فيدخله الله به الجنة إن تاب، فيعرف قدر رحمته، فيزداد حبًا له وخضوعًا بين يديه.
الله لا يضيع من أقبل عليه ، ولا يطرد من عاد إليه نادمًا.
بل يفرح بتوبة عبده ، فرحًا لا يُشبهه فرح ، كما في الحديث الصحيح:
لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم براحلته التي عليها طعامه وشرابه فأضلها في أرض فلاة، فاضطجع قد أيس منها، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة على رأسه ، فلما رآها أخذ بخطامها وقال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح..!
فأيّ إلهٍ جل جلاله سبحانه الذي يفرح بعودتك وأنت المذنب ؟
أيّ ربٍّ سبحانه الذي يُبدّل سيئاتك حسنات حين تدمع عيناك وتقول: « يا رب، اغفر لي »؟
لقد تعبنا ونحن نظنّ أن الله يُجازي على مقدار الألم ،ثم اكتشفنا أنه يُجازي على مقدار الرجاء.
ما أعظمه من ربّ !!
يغفر قبل أن نطلب ، ويعفو قبل أن نعتذر ، ويُمهلنا حتى نعود إليه بقلوبٍ نضجت تحت نار الحياة.
حين يملأ الظنّ برب العالمين قلبك ،
تتغيّر معاني الأشياء كلها .
تصبح المصيبة لطفًا ، والعقبة حماية ، والحرمان إعدادًا للعطاء .
تستيقظ فيك قناعة رقيقة تُؤنسك :
أنّ الله لا يبتليك ليعذّبك، بل ليقرّبك منه خطوةً بعد خطوة.
العارفون بالله قالوا :
> لو كشف الله للعبد الغيب، لاختار ما اختاره الله له، حتى في أشد ما كره.
سبحانه… ما أكرمه!
يجبرك جبرًا لا يُرى ، ويُنسيك ألمك بنعمةٍ صغيرةٍ تداوي كل شيء .
يضع في طريقك نسماتٍ من لطفه ، تراك عينه ولو أذنبت طوال عمرك تكرارا…تراك تبكي ثم تبتسم ، لأنك أخيرًا أدركت أنّه لم يبتعد عنك يومًا …بل طرفة عين لانه اق’ب اليك من حبل الوريد .
فيا أيها المنهك ، يا من تتقلّب في همّك كمن يغرق في بحرٍ لا يرى الشاطئ…
ارفع رأسك ، وتذكّر هذه الآية التي كانت أصل الحكاية :
﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
ظنّ به خيرًا،
وسيفتح لك من رحمته ما يُنسيك أنك بكيت يومًا…!!
ستبكي مرةً أخيرة، لا من ألم ، بل من فيض القرب .
ستشهق حبًا ، وتضحك خجلًا، وتسجد شكرًا ، لأنك رأيت بعينك كيف غمرتك رأفته في أقصى حالات ضعفك.
عندها ستفهم السرّ العظيم:
أن الله كان في كل لحظةٍ يراك،
وفي كل وجعٍ يحتضنك بلطفٍ لا يُدركه وصف ،
وفي كل ظنٍ حسنٍ منك ، يكتب لك حياةً جديدة.
وتبكي… تبكي لأنك أدركت أخيرًا أن كل ما كان ،
لم يكن إلا حبًّا من الله لك…فهنيئآ لك .
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
_____________________________________________
@Radhi1446
Radi1444@hotmail.com