الشاعر الاستثنائي عبدالواحد الزهراني
بقلم/ عبدالناصر بن علي الكرت
عندما أردت المشاركة بمقالة عن البروف عبد الواحد الزهراني بمناسبة حفل تكريمه، احترت كثيراً من أي زاوية أنظر، وعن أي مجال أتحدث، هل أكتب عن الشاعر الفذّ أم التربوي الحاذق أم الأكاديمي المتميّز أم عن الإنسان الخلوق الطموح متعدد المواهب هل اتناول إبداعاته الشعرية وقدراته الرياضية أم إنجازاته العلمية وأساليبه التربوية وبرّه بوالديه أم مساهماته الاجتماعية ومشاركاته الوطنية فهو بحق أنموذج رائع رائع قل أن يتكرر.
وهنا انحاز مع الناس الذين عرفوه شاعراً لكنه ليس ككل الشعراء، إنما هو شاعر استثنائي متمكن، تميّز بعقليته الناضجة وفكره المتّقد ونظرته المنطقية وإبداعاته المتفردة..التي يظهر فيها الحس الأدبي الرفيع والصور المجنحة. فهو أشبه بفنان تشكيلي يرسم بألوان الكلمات ويصوغها ببراعة ليصنع منها قصائد بل قلائد شعرية تلامس القلوب قبل الأسماع..لتميزها بالعمق والجمال وما تحمله من رسائل معبرة، وبما تتركه من أثر إيجابي بالغ يصل إلى أعماق القلوب. ولا غرابة في ذلك فقد عاش في بيئة شعرية من خلال ملازمته الأولى لوالده الشاعر الكبير سعود بن سحبان -رحمه الله- يتقدم من بواكير حياته إلى ميدان العرضة بكل جرأة وشجاعة لافتاً الانتباه بجميل ما يلقي من بدعٍ ورد ويقارع هذا الفتى اليافع كبار الشعراء بكل ثقة واقتدار. حيث جمع بين موهبة فطرية أصيلة وصوت شعري ملهم فتجلت قصائده في جميع الأغراض الشعرية بالطابع الشعبي لقبيلتي غامد وزهران، حيث ذاع صيته بعد أن خط اسمه بحروف من ذهب في قلوب محبيه، وزادت جماهيريته لجمال طرحه ورهافة حسه وحسن انتقائه لموضوعات معظم قصائده التي تلامس الهم الاجتماعي بحسٍ وطني عال..تحرك المشاعر وتهزّ الوجدان، وقصائد أخرى ناطقة تجسد الوضع العربي الراهن بهدف تقوية العزائم واستنهاض الهمم ومطلع إحداها بنداءٍ مباشر:
(اصح يا نايم صباح الضمير العربي
ادري ازعجتك اعذرني ولكن ماذا وقت نوم)
ورسائل التحذير للخروج من حالة التخدير في الأمة العربية والوضع الخطير الذي يحيط بها وهو يقول في سياق قصيدته التي قالها قبل قبل عقدين من الزمن:
(ننتج الافلام واسراييل تنتج قنبلة ذريــــة
*والمفاعل عندهم واكبر محطة في مطار ايــلات
والقمر يرصد مدنا والصور ضمن الرسايل عبره
ما على بقعة ولا موضع قدم ما عينوا جاسـوس
واني صرت اخاف حتى من زوايا جدر بيتــنا)
وهو ما أثبتته الأيام بالاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي واستخدام الجواسيس واستهداف بعض القيادات. السياسية والعسكرية وصولاً إلى أدق مواقعهم!
والتعبير عن الألم المرير للانحياز الأمريكي المؤسف، ودعمهم للمعتدي الأثيم ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين. وهو مايراه العالم عياناً بياناً:
(كيف ماقول شيخ البيت الأبيض يهودي بن يهودي
وأكثر أقفال واشُنطُن مفاتيحها في تل أبيب)
ولعل هذه الميزة التي جعلت الناس يحفظون ويحتفظون بقصائده ويتناقلونها بينهم لتعيش عمراً طويلاً. لأنها تتجاوز مشاعره الشخصية إلى نقل واقع المجتمع والأمة، متلائمة مع أمنياتهم متناغمة مع تطلعاتهم. وأصبح صوتاً شعرياً تصغي له الآذان والأذهان، لقناعته بأن الشعر يمكن أن يكون أداة لتغيير المجتمع نحو الأفضل. ولا يقتصر تميّز عبدالواحد على موهبته الشعرية بل ينظر إليه المختصون بأنه يمتلك أنواع الذكاء الرياضي المنطقي بحكم تخصصه العلمي في الرياضيات، والذكاء اللغوي لإنتاجه الشعري الغزير الذي لم يقتصر على اللون الشعبي السائد في مناطق الجنوب بل امتد إلى القصيدة النبطية والفصحى بكل براعة وكذلك الذكاء الذاتي والعاطفي الذي تفصح عنه مجموعة من مقطوعاته وتغريداته التي تظهر عمق تساؤلاته واستبطانه للمعاني الكبرى في الحياة. والذكاء الاجتماعي لكسبه الجميع ومن مختلف الشرائح ومحبتهم له حتى منافسيه. والذكاء المتعدد الذي يبين الطموح العالي والمنجز المثالي بمواصلة دراساته ليصل إلى أعلى درجة علمية “الدكتوراه” والاستمرار في أبحاثه ليحصل على الاستاذية والعمل في عمادة بعض الكليات، مضيفاً إلى رصيده الأدبي حضوراً أكاديمياً يليق بجده واجتهاده، وأيضاً الذكاء الموسيقي الطبيعي، كواحد ممّن تغنّى بكلماته الجميلة كبار الفنانين السعوديين وفي مقدمتهم فنان العرب محمد عبده ولا زالت الألحان الشجية الندية تداعب ذاكرة الكثيرين من أبناء المنطقة وهم يردّدون كلمات أوبريت “أسطورة الحسن”:
(تبسّم الصّبح المبين وشعشع النّور .. وانتهى الطغيان والجور)
والذي يتغنّى فيه بمحبوبته الأزلية “المملكة العربية السعودية” منذ بدايات تأسيسها على يد الموحد العظيم الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ويتغزّل بفاتنته البديعة ومعشوقته الجميلة “الباحة” منطقة الحسن والجمال ومن بعدها أوبريت عاشق الأمجاد التي تشنّفت به الأسماع أثناء زيارة الملك عبدالله -رحمه الله- للمنطقة ولا يزال صداها يتردّد ونحن نسمع ما يطربنا كل حين:
(ما تغيب المملكة عن منصات الشرف .. كل محفل كل دورة لنا فيها طرف)
(وادمغ المجد بالسيفين والنخلة .. وامنح المجد جنسية سعودية)
و”حسام الخير” وفاء ً وتقديراً لجهود قائد التنمية في المنطقة و”همة حتى القمة” تشجيعاً لطلاب الجامعات والمجتمع و “نعم نعم يابلادي” في إطار الفخر بالوطن الغالي والقيادة الحكيمة:
(ستظل يا وطني الحبيب محط أنظار الأمم،
وتقودك القمم العظام إلى المزيد من القمم،
وتظل تشرق بالسمو وبالنقاء وبالطهارة،
وتظل رمزاً للأصالة والتقدم والحضارة،
لتكون تربة هذه الصحراء للدنيا منارة)
وغيرها مما كتب وأنشد وأبدع في حب القيادة والوطن وتحفيز الشباب للبناء والعمل وحماية حدود البلاد والذود عنها بالغالي والنفيس. فجعل من الشعر رسالة ومن الفن أداة تعبير عن الولاء والانتماء.
ويبقى البروف عبدالواحد مزيجاً نادراً من الفكر والعاطفة من الأصالة والتجديد ومن الإبداع الشعري والثراء المعرفي والعطاء العلمي والإنساني ويظلّ مثالاً راقياً يشرف به الوطن وتفخر به الأجيال .