كتاب واصل

برنامج “حضوري”… المعلم حاضر غائب!

"في المشهد الأخير… الكاميرا لا تلتقط المعلم فقط، بل مستقبل أمة بأكملها ينتظر إصلاح قرار."

✍️ راضي غربي العنزي – “كاتب سعودي”

المعلم الذي يُفترض أن يكون صانع العقول، بات اليوم محاصرًا بشاشة تطبيق اسمه “حضوري”.

نعم… المعلم الذي يخرج من حصصه منهكًا، بعد خمس أو ست حصص متتالية، ليكتشف أنه ليس مهمًا أن يُنجز، ولا أن يزرع العلم في صدور الطلاب، بل المهم أن يجلس على الكرسي حتى الثانية ظهرًا… ليُكرم في النهاية بتوقيع إلكتروني!

تخيلوا… يخرج الطلاب عند 12:30 ظهرًا، ويبقى المعلم يراقب عقارب الساعة مثل سجين ينتظر الفرج من شاشة جواله. أي منطق هذا؟! هل أصبح التعليم معركة “كر وفر” مع برنامج رقمي لا يعترف بإنسانية المعلم ولا بأسرته ولا حتى بتعبه؟

المعلم ليس موظفًا عاديًا، لا تُقاس ساعاته بساعات غيره. مهنته رسالة، ولذلك قيل في الأثر: “كاد المعلم أن يكون رسولا.”

قال الله تعالى:

﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]

وقال النبي ﷺ:

“إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على معلم الناس الخير.”

لكن عندنا صار: “كاد المعلم أن يكون ضحية للتطبيق”!

والأدهى أن هذا التطبيق كثير الأعطال، يعلق، يتأخر، يربك، ويوتر. وكأن همّ المعلم لم يكفه: طلاب، أوراق، مناهج، أسرته التي تنتظره… جاء “حضوري” ليضيف همًا جديدًا: هل وقّعت؟ هل سجّل التطبيق؟ هل الإنترنت موجود؟!

في الدول المتحضرة يُقاس المعلم بما يعطيه داخل الفصل، لا بعدد الدقائق التي يحرقها وهو بلا طلاب. بينما هنا، نجلسه ساعة ونصف بلا معنى، وكأننا نقول له: “تعال، اجلس، لا نحتاجك… لكن وقّع!”.

وقد قال أحد رواد القلم التربوي: “لا شيء يُفقد الحماس مثل شعور الموظف أن وجوده جسدي فقط.”

بينما أشار كاتب اجتماعي آخر: “المعلمون لا يُطالبون بترف، بل ببيئة تحفظ إنسانيتهم.”

فلماذا نُصر أن نحمّل المعلم أكثر مما يحتمل؟!

يا من بيدكم القرار… المعلم ليس خصمًا ولا موظفًا عاديًا. الحل بسيط جدًا:

اربطوا برنامج “حضوري” بجدول المعلم، ينصرف إذا أنهى عمله. انتهت حصصه = انتهى حضوره.

هكذا نُريح المعلم، ونُبقي كرامته، ونضمن أن يُعطي من قلبه وهو مرتاح.

أما أن يبقى محلك سر، فهذا تطفيش… لا تطوير.

○ المعلم… ينزف!

التعليم ليس شاشة حضور وانصراف، بل حياة تُبث من قلب معلم إلى قلب طالب. وإذا أطفأنا هذا القلب، فما جدوى كل الأنظمة الرقمية؟!

المعلم اليوم ينزف بصمت، يبتلع ألمه بين حصصه، ويخفي قلقه خلف شاشة “حضوري”. قد لا تُسمع أنينه، لكنه يظهر قريبًا أثر اختياراتنا على كل فصل، وعلى كل وجه طالب بلا حماس.

وحينها… لن تنفع الأعذار التقنية ولا التوقيعات الصارمة، لأن المعلم إذا انكسر، انكسر معه كل شيء.

حين يسقط المعلم، لا تسقط سبورة واحدة… بل يسقط معها جدار المستقبل.

“حضوري… الغياب الحقيقي لمن يرى كل شيء إلا صوت معلمها.”

الهيئة العامة لتنظيم الإعلام الداخلي 497438

________________________

للتواصل :

Radi1444@hotmail.com

@Radhi1446

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى